Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/01/2009 G Issue 13268
الأحد 28 محرم 1430   العدد  13268
فلسطين في التاريخ والوجدان

 

قال الملك عبد العزيز - رحمه الله - في خطبة له بمكة سنة 1359هـ - (1941م):

(كل ما ندعو إليه هو جمع كلمة المسلمين واتفاقهم، ليقوموا بواجبهم اتجاه ربهم واتجاه بلادهم، يهمنا أمر إخواننا السوريين، وأمر إخواننا الفلسطينيين، وأمر إخواننا العراقيين، وإخواننا المصريين، وأخاطب إخواننا في مصر، والعراق، وسوريا، وفلسطين، فأقول لهم: إن المصلحة واحدة، والنفوس واحدة) (1).

كان هاري سانت جون فلبي الرحالة البريطاني على علاقة وثيقة بالملك عبد العزيز - رحمه الله - ولا سيما بعد أن اعتنق الإسلام، وترك خدمة الحكومة البريطانية، واستقر في المملكة، وكان يزور الملك في مكة وفي الرياض، واصطحبه الملك في بعض رحلاته وأسفاره، واستشاره في بعض الأمور الخارجية، ولكن مع ذلك حين حاول فلبي التوسط في قضية فلسطين، وكانت الأمور لا تزال في بدايتها أخفق في وساطته، وكان سبب الإخفاق أنّ الملك عبد العزيز لم يكن ليقبل ما يمس حقوق العرب والمسلمين، ونصح فلبي بألاّ يتطرّق إلى هذا الموضوع، على الرغم مما بذله الأخير من محاولات لإثارة اهتمام الملك (2).

وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله - صلباً شجاعاً في الدفاع عن قضايا الأمة ولا يقدر أن يستميله أحد إلى شيء لا يرضاه للعرب والمسلمين حتى لو كان من مستشاريه، فالمعروف عن الملك أنه كان مصدر المعرفة، والتوجيه لمستشاريه وخاصته.

وهذه طريقة الملك عبد الله في مناقشة الرؤساء وكبار الساسة والمسؤولين في العالم، وتعد هذه الطريقة حتى اليوم من أفضل الطرق والأساليب، وأقواها، وأقومها، خاصة عند مناقشة مشكلة مصيرية كقضية فلسطين، ويطرحها - حفظه الله - بكل واقعية وموضوعية تتصف بالعدل، ولكن على ما يبدو أنّ هناك من لم يعد يهتم إلاّ بالمصالح والمغانم أياً كانت، وأصبحت سياستهم وسيلة لتحقيقها وتحصيلها، وكادت تكون هي الأساس في التعامل مع قضية شعب فلسطين، غير مكترثين بما يحل من نكبات بهم وبالأمة العربية والإسلامية والفلسطينيين خاصة، وإن أظهروا الشفقة عليهم متشدقين على الشاشات.

بعكس الملك عبد الله فكل شيء في نظره هو دون المستوى الذي ترسمه العروبة في خاطره، ويسعى لتحقيق كل ما يستطيعه لأجل الشعب الفلسطيني، وهذا نهج حكومة المملكة العربية السعودية منذ أسسها المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز حتى الآن، فقد توارث ملوك آل سعود كافة قضية فلسطين والشعب الفلسطيني وكانت جل اهتمامهم، مع العلم أنّ المملكة ليست من دول المواجهة وإنما تضامناً مع القضايا العربية، وحرصاً على مقدسات المسلمين وخدمة للإنسانية، جعلت نفسها في خضم العراك لتحقق ما لم يستطع تحقيقه الآخرون، من خلال سياسة هادئة حكيمة متوازنة بعيدة عن التسرع والمهارات، مستغلة وزنها وتأثيرها العالمي في مساندة القضايا الإنسانية عامة والعربية خاصة، مع عدم الانتقاص من أي دولة ساهمت في تحقيق المطالب العربية، وهذا ما تطلبه الحكمة في التعامل في ظل اختلال القوى وتشرذم الوضع العربي.

من خلال هوايتي في جمع الأوراق والمخطوطات، وجدت أنه حتى النساء من آل سعود كان لهن اهتمام كبير بالقضية الفلسطينية وبالفلسطينيين عامة، وتجلّى ذلك من خلال رسالة من مكتب المستشار الثقافي السعودي بسوريا ولبنان بتاريخ 6-6- 1384هـ و13-10-1964م مذيلة بتوقيع المستشار الثقافي بسوريا ولبنان الشيخ عبد المحسن المنقور وموجّهة إلى صاحبة السمو الملكي الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير، رداً على رسائل سموها لسعادته في طلب استقدام مدرسين للمملكة، وقد حرصت أن يكونوا من الجنسية الفلسطينية تقديراً لظروفهم وحرصاً على نفع الفلسطينيين من خيرات هذه البلاد، وأن هذا الطلب لم يأت من فراغ وإنما منهج توارثته الأسرة الحاكمة - حفظها الله - وأصبح من البديهيات لديهم نصرة الشعب الفلسطيني على كافة المستويات، حيث ذكر المستشار في الرسالة ما نصه: (سيدتي سبق أن تشرفت باستلام رسالتين غاليتين من سموكم ترغبون فيهما التعاقد مع عدد من المدرسين الفلسطينيين) (3)، وقد تحدث المستشار مع الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع وكيل وزارة المعارف ورئيس لجنة التعاقد الذي أبدى استعداده التام للتعاقد مع مدرسين فلسطينيين، ورحب بذلك .. من هذا نعرف أنّ المملكة حكومة وشعباً وعلى مختلف الأصعدة يؤازرون الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بالفعل والعمل والتنفيذ، وليس بالعواطف الخالية والوعود المؤجلة إلى ما لا نهاية.

هذا نموذج بسيط وإثبات حقيقي فاعل اتجاه إخوتنا الفلسطينيين فقضيتهم قضيتنا منذ نشأتها، ولا نمنّ عليهم في شيء، فهذا واجبنا تجاههم .. نسأل الله سبحانه أن يتغمد شهداءهم بواسع رحمته ويشفي جرحاهم وينقذ بلادهم من الغاصب المحتل، وحفظ الله مملكة العز والكرامة، وحفظ مليكك وشعبك وسيشهد التاريخ.

والجدير بالذكر أنّ الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير هي من أسس الجمعية الفيصلية الخيرية النسائية وافتتحت مدارس العرفان ومدارس دار التربية الحديثة وأول من استضاف قسم الطالبات لجامعة الملك عبد العزيز في جدة.

- - - - - - - -

(1) الوجيز ص250 .

(2) توحيد المملكة العربية السعودية ص180 .

(3) خطاب معالي المستشار عبد المحسن المنقور.

عبدالله بن محمد عبدالله العقيل الشريف



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد