لا يمكن أن تتوقع نمواً اقتصادياً - فضلاً عن الازدهار - في منطقة تعاني من الحروب والصدامات. وهذا ما تؤكده أول دراسة دولية أقيمت حول تكاليف النزاع في الشرق الأوسط خلال العشرين عاماً الماضية. فالدراسة توضح بالأرقام أن الصراعات والحروب في هذه المنطقة تسببت في خسائر مادية قدرها 12 ألف مليار دولار!!، وهذا الرقم مرشح للارتفاع في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
وإذا أخذنا عينتين فقط من هذه الحروب والصراعات، فسنلحظ المعاناة التي عاناها المواطن البسيط بسببها. فالحرب في العراق - وفقاً للدراسة - تسببت في انخفاض معدل دخل الفرد العراقي إلى الثلث، أي أن العراقي خسر قرابة سبعين في المائة من دخله خلال بضع سنين!. ولولا الغزو الأمريكي غير المشروع للعراق لكان الدخل المحلي للعراق أكثر بثماني وثلاثين مرة من دخله حالياً. يعني ذلك أن الحرب أثرت تأثيراً اقتصادياً سلبياً فاق التصور على العراق حكومة ومواطنين.
أما العينة الأخرى من الدراسة فتشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس خافياً على أحد عمق البؤس والفقر الذي يعيشه الفلسطينيون في الداخل بسبب الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحقهم. تقول الدراسة إنه لو كان السلام تحقق في مؤتمر مدريد عام 1991 لكان دخل الفرد الفلسطيني ضعف ما هو عليه حالياً. ونعتقد أن الاعتداءات الإسرائيلية وخاصة الأخيرة على غزة، قد سحقت ما يمكن أن يتبقى للفلسطينيين في غزة من دخل وقوت!.
ومما لا شك فيه أن أية حرب لا تؤثر سلباً على الدولة المتورطة فيها فحسب وإنما تؤثر أيضاً على الدول المجاورة لها والمنطقة بأسرها؛ لما للحروب من تأثير سلبي للغاية على حركة التجارة الإقليمية وحتى الدولية، وما تكلفه حراسات الحدود لمنع التهريب إبان الحرب، وغيرها من الآثار السيئة.
هذه الدراسة الأولى من نوعها يجب أن توقظ السياسيين والمفكرين وقادة الرأي في المنطقة والعالم من أجل التحرك والضغط نحو تحقيق السلام وحماية الدول والمجتمعات الإنسانية من آفة الحروب التي عندما تندلع لا توفر أحداً حتى تصيبه من نارها!. طبعا ما سبق ذكره انحصر على التكاليف المادية للحروب، ولكن هناك تكاليف - كما يقول أصحاب الدراسة - لا يمكن حسابها بالأرقام كالكرامة الإنسانية التي تهدر بسبب جرائم المعتدين!
***