توقفت أمام خطاب خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله لكل خير - الذي ألقاه أمام القادة العرب في قمة الكويت الاقتصادية، فما وجدت عنواناً مناسباً له غير هذا العنوان (المصارحة والمناصحة) لما حمل من عبارات الصراحة والوضوح، ولما فيه من النصيحة لمن حضر المؤتمر من حكام العرب أن يكونوا على مستوى المسؤولية في مواجهة الأزمة.
لقد جاء الخطاب بعد فترة دامية عاشتها غزَّة وأهل غزَّة، فكان إعلاناً سياسياً لرفض ذلك الاعتداء الآثم، وكان دعوةً إلى العودة الصادقة إلى ساحة الوئام لمواجهة المرحلة القادمة التي نشعر أنها حبلى بالأحداث التي لا يمكن أن يواجهها المسلمون بالوهن والتشرذم والتفرُّق.
ما زالت الشعوب المسلمة إلى الآن وإلى ما يشاء الله عاتبة عتاباً حاراً على بعض مظاهر الخذلان العربي والإسلامي (الرسمي) لأهل غزَّة الذين ظلوا ثلاثة وعشرين يوماً تحت قصف همجي (غير إنساني) استخدمت فيه أسلحة محرَّمة دولياً، وقُتل فيه الأبرياء جهاراً نهاراً، وهُدِّمت فيه المساجد والبيوت والمستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف ومخازن الغذاء والدواء.
نعم ما يزال الشعور بالحرقة والألم في نفوسنا جميعاً تجاه ذلك الإجرام الصهيوني الغاشم، وتجاه ذلك الصمت العربي القاتم، وتجاه ذلك التحرك العربي السياسي الذي لم يقدِّم شيئاً.
ولهذا كان خطاب المصارحة والمناصحة مهماً لأنه انطلق من الإحساس بالمسؤولية، والشعور بخطأ الموقف الضعيف للأنظمة العربية تجاه تلك المجزرة الهمجية، والعزم على عمل شيء في المرحلة القادمة.
ولا بأس أن نقف على بعض المقاطع الواضحة التي وردت في ذلك الخطاب السياسي الواضح.
(إن فرقة العرب والمسلمين أخطر من قضيتهم، وأذكرِّهم بالله عز وجل)، (إننا مسؤولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب موقفنا ولا أستثني أحداً منا)، (نأمل في هذا المؤتمر ومعنا شعوب الأمة العربية في نتائج واضحة)، (الاقتصاد مهما كانت أهمِّيته لا يساوي الحياة ولا الكرامة).
(شاهدنا جميعاً مناظر بشعة دامية ومجازر جماعية على يد عصابة إجرامية لا مكان في قلوبها للرحمة)، (نسي القتلة ومن يناصرهم أن التوراة ذكرت أن العين بالعين ولم تقل إن العين بمدينة كاملة من العيون)، (الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مطروحاً في كل وقت)، (نحيي شهداء غزَّة وأبطالها وصمودها)، (أناشدكم بالله جلَّ جلاله ثم باسم الشهداء من الأطفال والشيوخ، باسم الدم المسفوح ظلماً وعدواناً، باسم الكرامة والإباء، باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس)، (إن خلافاتنا السياسية عون للعدو الإسرائيلي الغادر علينا)، (لا بد أن أكون صريحاً صادقاً مع نفسي ومعكم).
بهذه العبارات الواضحة خاطب خادم الحرمين حكام العرب وجميع من حضر مؤتمر الكويت من السياسيين والاقتصاديين.
ونقول: (صدقت أبا متعب، فاليهود عصابة إجرامية، واليهود أهل غدر وخيانة، واليهود هم الذين غدروا بالأنبياء والمرسلين، وقتلوهم وطردوهم، واليهود هم الذين غدروا برسولنا صلى الله عليه وسلم أكثر من مرَّة، وأخفوا عنه آية الرجم الموجودة في التوراة الأصلية، وحرَّفوا التوراة على هواهم، وأكبر دليل ما صنعوه أمام عيوننا جميعاً في غزَّة.
ومن باب مبدأ المصارحة والمناصحة الذي أعلنته في خطابكم الكريم أقول وأنا واحد من أبناء شعبك المجروح كغيره من شعوب العالم بما شاهد من هذا الظلم الذي ارتكبته عصابة الصهاينة في غزَّة، وبما شاهد من ضعف الأنظمة العربية في مواجهة الذَّبح اليومي الشنيع، وبما شاهد من مشاركة بعض أفراد من المسؤولين في العالم العربي للعدو الصهيوني في اعتدائه الآثم بالموقف أحياناً، وبالتصريحات والعبارات ذات الغمز واللمز أحياناً أخرى.
أقول إننا - يا أبا متعب - نشعر بأن الوَهَن أمام العدو الصهيوني الذي لا يعرف السلام سيكون سبباً في تحطيم كيان بلادنا الإسلامية، ونحن - كما تعلم رعاك الله - قوم أعزَّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله. ولهذا فإن مصارحتك ومناصحتك الرائعتين تحتاجان إلى أن تكونا عنواناً لمواقف بلادنا الغالية في كل خطوة قادمة - كما هو رأيها دائماً - في التعامل مع جميع الأحداث والأشخاص والأنظمة، فكلمة الحقِّ منتظرةٌ من رجل يفتخر بأنه خادم الحرمين الشريفين هو ومسؤولو دولته، وجميع أفراد شعبه. وكلمة الحق هي التي ترضي الله عز وجل، وتحفظ الأمن، وتصدُّ العدوان. أسأل الله أن ينصر الحق بك وبنا وأنْ يغفر لنا ويرفع مقامنا جميعاً بالهدى والإيمان.
إشارة:
جزاك الله خيراً على تبرُّعك السَّخي عن شعبك وأسأل الله أن ينفع به ولا يحرمك وشعبك من الأجر.