سهيل الدراج
يعد التحليل المالي Financial Analyses أو التحليل الأساسي Fundamental Analyses واحداً من العلوم المهم الإلمام بها للمستثمرين في أسواق المال، فبدونها تضيع بوصلة الاتجاهات وتصبح الحركة غير منطقية من وجهة نظر المحلل والمتداول.. في المقال السابق (نتائج الشركات.. المهم والأهم) استعرضنا النقاط المهمة التي يجب على المتداول النظر إليها عندما تعلن الشركة عن نتائجها، وفي هذا المقال سنركز على إعطاء فكرة عن القيم الثلاث للشركة وهي القيمة الاسمية والدفترية والسوقية وما هو الفرق بين كل منها:
القيمة الاسمية: هي القيمة التي يتم دفعها لأول مرة عند طرح السهم للاكتتاب، وتدفع من قبل المكتتبين في السهم لصالح تغطية رأسمال الشركة التي ستنشئ به المشروع، ويكون البنك (أو المؤسسات المالية الأخرى) هو الوسيط الذي يجمع الأموال ويضعها في حساب بنكي مغلق لحين اكتمال فترة الاكتتاب.. هذه العملية بالكامل تسمى Underwriting أو الاكتتاب، أما السوق التي تمت فيها هذه العملية تسمى بالسوق الأولية (Primary Market).. لاحظوا أننا إلى الآن بعيدين عن البورصات، وأن هذه المرحلة تكتمل بانتقال الأسهم من الشركة إلى حملة الأسهم، أما أموال المكتتبين فتذهب للشركة لبناء رأسمالها والبدء بتنفيذ مشاريعها المخططة، في حين أن البنوك والمؤسسات المالية تحصل على عمولة محددة جراء إدارة هذه العملية..
الآن دعونا نفترض أن محمداً أراد أن يخرج من هذه الشركة.. كل ما عليه هو أن يذهب إلى سوق المال أو البورصة لبيع أسهمه مقابل مبلغ من المال.. سوق المال أو البورصة يسمى بالأسواق الثانوية أو Secondary Markets، والقيمة التي سيحصل عليها مقابل بيع أسهمه تسمى القيمة السوقية Market Value وسميت بالقيمة السوقية لأن السوق هو الذي يحددها.. وهذه القيمة السوقية من الممكن أن تكون أعلى من القيمة الاسمية أو أقل منها، ويتحدد ذلك بناء على وضع السوق هل هو سوق صاعد أم هابط، وبناء على توقعاتنا لأداء الشركة الحالي أو المستقبلي، وبناء على أرباح الشركة المتحققة أو خسائرها..
إذا الآن أصبح لدينا القيمة الاسمية التي اكتتبنا بها، والقيمة السوقية التي حددها السوق، بقي لنا أن نعرف ما هي القيمة الدفترية أو ما يعرف بBook Value ؟.. سنشرح هذا المفهوم بإعطاء مثال بسيط.. بنك الإنماء على سبيل المثال تم طرحه للاكتتاب بسعر 10 ريالات (القيمة الاسمية) وهو يتداول الآن في السوق بقيمة 12 ريالا (القيمة السوقية).. قيمة هذا السهم في دفاتر الشركة هي 10 ريالات لأن البنك لم يزاول أنشطته حتى الآن، لكن إذا افترضنا أن البنك زاول نشاطه خلال العام، وحقق أرباحاً مقدارها ريالا واحداً لكل سهم.. عندها ستصبح القيمة الدفترية هي 11 ريالا، لأن الأرباح المبقاة تضاف لحقوق الملكية وبالتالي ترتفع القيمة الدفترية للسهم.. ولكن إذا قرر البنك توزيع نصف ريال فإن القيمة الدفترية ستصبح 10.5 ريالات فقط، لأن النصف ريال الآخر وزع على حملة الأسهم وخرج من دفاتر الشركة.. أما إذا حقق البنك خسارة مقدارها 2 ريال للسهم الواحد على سبيل المثال، فان القيمة الدفترية ستصبح 8 ريالات.. ومن الممكن أن تصبح القيمة الدفترية بالسالب إذا تفاقمت خسائر الشركة.. فالقيمة الدفترية مثلاً لشركة جنرال موتورز الأمريكية هي سالب 98 دولارا أمريكيا..
نستخلص مما سبق نتائج مهمة جداً، منها: أن تحقيق الشركة أرباحاً والإبقاء عليها دون توزيع يؤدي إلى ارتفاع القيمة الدفترية للشركة وهذا مفيد لأن القيمة السوقية سترتفع تبعا لذلك، في حين أن توزيع الشركة للأرباح لن يفيد كثيرا القيمة الدفترية، وتبعا لذلك لن تستفيد القيمة السوقية للسهم.. وهذا هو السبب الحقيقي الذي يمنع الكثير من الشركات من الارتفاع في القيمة السوقية بشكل كبير على الرغم من إعلانها عن توزيعات كبيرة في الأرباح (لأنها توزع أغلب أرباحها وبالتالي تبقى قيمتها الدفترية منخفضة)..
بعد أن فهمنا القيمة الدفترية بشكل واضح، سنتحدث عن مفهوم مهم جداً في التحليل المالي وهو ما يعرف بمكرر القيمة الدفترية Price/Book وهو حاصل قسمة القيمة السوقية على القيمة الدفترية للسهم، وهو أحد معايير التقييم والمقارنة للأسهم، فعندما نذهب لشركة XYZ مثلاً ونجد أن سعرها السوقي 50 ريالا وقيمتها الدفترية هي 10 ريال، فهذا يعني أن مكرر القيمة الدفترية يساوي 5 مرات، أي أن الشركة تتداول في السوق أعلى بخمس أضعاف قيمتها الفعلية (الدفترية)..
ولمعرفة كيف يؤثر توزيع الأرباح أو عدم التوزيع على سعر الشركة السوقي باستخدام مكرر القيمة الدفترية دعونا نعود إلى المثال السابق أعلاه لشركة XYZ، ذات القيمة الدفترية 10 ريالات والقيمة السوقية 50 ريالا، ومكرر القيمة الدفترية 5 مرات.. نفترض أن الشركة حققت أرباحا بنهاية العام مقدارها 4 ريالات للسهم الواحد، وللتبسيط سنفترض أيضاً أن الشركة لديها خياران فقط، إما أن توزع الربح بالكامل أو أن تبقيه بالكامل.. فإذا وزعت الربح بالكامل فإن القيمة الدفترية ستبقى 10 ريالات وقيمتها السوقية يفترض أن تبقى 50 ريالاً، ويبقى مكرر القيمة الدفترية ثابتاً عند 5 مرات.. لكن إن أبقت الشركة الأرباح دون توزيع فإن قيمتها الدفترية ستصبح 14 ريالاً، وعند ضرب القيمة الدفترية في مكرر القيمة الدفترية 5 مرات، فإن القيمة السوقية للشركة يجب أن تصعد إلى 70 ريالاً، هذا إذا افترضنا أن مكرر القيمة الدفترية هو 5 مرات للشركة وللقطاع الذي تعمل فيه الشركة، مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة كالنمو السنوي وغيره من النواحي الاستراتيجية للشركة..
بقي سؤال أخير لابد أن نشير إليه، وهو لماذا تلجأ بعض الشركات إلى عدم توزيع الأرباح في حين أن البعض الآخر يوزع الأرباح بسخاء؟.. وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نعود إلى نشاط الشركة وإلى استراتيجيتها في إدارة أعمالها، فيمكننا تصنيف الشركات إلى نوعين.. النوع الأول هو شركات النمو، التي تحتاج إلى الأموال وإلى الأرباح وإلى زيادة رأس المال لتلبية احتياجات التوسع والنمو، هذه الشركات في الغالب لا توزع أرباحاً وإنما تضيف الأرباح إلى القيمة الدفترية للشركة، وبالتالي يرتفع سهمها في البورصة بدرجة كبيرة، مثال ذلك شركة قوقل الشهيرة، التي طرحت للاكتتاب قبل حوالي 4 سنوات بقيمة 75$، وحققت أرباحاً كبيرة أضيفت إلى القيمة الدفترية ليصل سعر السهم في السوق إلى قرابة 700$ قبل الانهيار الأخير.. أما النوع الثاني هو شركات الدخل، وهي الشركات الكبيرة التي شاخت وأصبحت غير قادرة على النمو بنسب متسارعة، وأصبحت أرباحها السنوية شبه ثابتة مع وجود نمو بسيط، في هذه الحالة تلجأ الشركة إلى توزيع الأرباح المتحققة على ملاك الأسهم لأنه لا توجد مشاريع لديها لاستثمار الكاش المتوفر، وبالتالي تصبح الشركة هدفاً مهما للمستثمر الذي يبحث عن العوائد الشبه ثابتة.. ومثال ذلك شركة جنرال الكتريك الأمريكية والكثير من شركات الأدوية والتجزئة والتأمين..
وهكذا نكون قد استعرضنا جانباً مهماً من التحليل الأساسي ومفاهيمه الكثيرة، التي لا بد أن ندركها لتصبح ثقافتنا الاستثمارية ناضجة ومعها تتحول أسواقنا إلى النضج.. ولا ننسى أننا الآن نعيش في قلب موسم الإعلانات عن نتائج الشركات للربع الرابع من عام 2008م، الذي نتمنى أن يكون ربعاً موفقاً لجميع الشركات السعودية والخليجية والعربية.
* خبير اقتصادي ومحلل مالي في الأسواق الدولية
suhaildarraj@hotmail.com