اهتزت الأسواق الخليجية الأسبوع الماضي وهوت مؤشراتها بطريقة دراماتيكية دفعت بأسعار الأسهم إلى مستويات سحيقة لم تصل إليها من قبل. بات أمر عرض الأسهم القيادية على النسبة القصوى وسط إحجام المشترين أمراً مألوفاً في معظم الأسواق. الأمر تجاوز مرحلة الانهيار إلى الدمار الشامل. لم تعد الأسواق الخليجية تعترف بمكانة الأسهم القيادية، ولا أن تلقي بالاً لعوائدها السنوية وتوزيعاتها النقدية، كما أنها وصلت إلى مرحلة متدنية من انعدام الثقة بكل ما يصدر عن الجهات الرسمية، ومجالس إدارة الشركات.
تطور الأزمة الاقتصادية أدى إلى ظهور سلبيات كثيرة فيما يتعلق بالشفافية. لم تعد هناك ثقة متبادلة بين المستثمرين والمتداولين من جهة وبين المسؤولين عن الشأن المالي وإدارات الشركات من جهة أخرى. يتهم المستثمرون المسؤولين عن إدارات الشركات، وبعض الجهات الرسمية بعدم الوضوح وتعمدهم إخفاء بعض المعلومات المهمة عن السوق والمستثمرين. حالة انعدام الثقة ساعدت في ظهور الشائعات والتكهنات المغلوطة التي أدت إلى تعميق جراح الأسواق. تفسيرات بعض المحللين غير الواقعية ساهمت بطريقة مباشرة في الإخلال بتوازن الأسواق الخليجية؛ أحياناً كثيرة تتجاوز مقدمة نشرات أسواق المال في قناة (العربية) (صبا عودة) دورها الإعلامي لتصحيح بعض تحليلات المحللين، أو تفنيدها في بعض الأحيان. يوم الأربعاء كنا على موعد مع مقارنة غير عادلة بين ما يجري لسهم إعمار في سوق دبي، وسيتي قروب في السوق الأمريكية. هناك فارق كبير بين الشركتين في معطياتهما المختلفة وهو ما غاب عن ذهن الضيف وصححته المذيعة التي كان من الممكن أن تجمع بين الدورين بكل يسر وسهولة. الأمر نفسه حدث حين ربط أحد الضيوف الأكاديميين في فترة مضت بين ما يجري في السوق السعودية من انهيارات وبين ما يحدث في السوق الأمريكية. وكان (التفنيد) حاضراً من خلال المقارنة الواقعية بين وضعية السوق السعودية وقوة شركاتها ومتانة الاقتصاد، إلا أن التغطية السلبية لآراء المحللين كانت أكثر تأثيراً في عقول المتداولين من الحقائق الثابتة. الجميع يطالب الجهات الرسمية بالتدخل ودعم الأسواق، ولكن لا أحد من المتداولين يريد أن يسهم في هذا الدعم من خلال بناء الثقة، وتحليل البيانات المالية والاقتصادية كما يجب، وحماية ثروته من الزوال. هلع المتداولين أصبح المحرك الحقيقي للأسواق. يتسابق المتداولون للخروج من سفينة السوق الغارقة اعتقاداً منهم بحتمية استقرارها في القاع، متناسين أن السفن الغارقة يمكن أن تطفو برغم الغرق، وتعود إلى سابق عهدها بعمليات إنقاذ محدودة. حتى السفن الخشبية البسيطة يمكن أن ينجح بحارتها في إنقاذها من الغرق بتعاونهم، ودون الحاجة لمساعدة الآخرين. عندما غرقت العبارة المصرية في عرض البحر كثر الحديث عن هلع الركاب الذي أدى إلى تفاقم المصيبة، وكانت هناك إشارات واضحة إلى أن تكدس الركاب في جانب السفينة أدى إلى سرعة غرقها في البحر. سوق المال أشبه ما تكون بالسفينة التي تحتاج إلى ربان ماهر، وطاقم محترف، وركاب متعاونين مؤمنين بأن التعاون فيما بينهم هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يقودهم إلى اليابسة بسلام.
أكتب بعد أن أعلنت غالبية الشركات المساهمة المؤثرة في السوق السعودية نتائجها المالية، حيث أوضحت بعض منها انخفاضاً في نمو أرباح الربع الرابع مقارنة بالربع الثالث للعام 2008 وأجزم بأن الانخفاضات الحادة في نمو أرباح الشركات التي تسببت في ذعر المتداولين تتمناها الأسواق المالية العالمية التي منيت شركاتها الضخمة بخسائر فادحة أدت بالكثير منها إلى إعلان حالة الإفلاس.
التركيز على الجزء الخالي من الكأس يزيد في حالة التشاؤم والهلع غير المبرر، في حين أن التركيز على الجزء الممتلئ يمكن أن يكون بداية لتعافي السوق وشفائها مما لحق بها من أضرار. أرباح الشركات السعودية، على الرغم من نظرة المحللين التشاؤمية، أرى أنها جاءت بتباشير الخير للمتداولين والمستثمرين على حد سواء. معظم الشركات السعودية حققت نمواً في أرباحها السنوية المقارنة، بغض النظر عن الربع الأخير، ويجب أن نتعامل معها وفق الوضع الاقتصادي العالمي الاستثنائي لا كالمعتاد. من الظلم أن نطالب شركات السوق بتحقيق نمو لا يتوافق مع معطيات السوق وظروف الأزمة العالمية. هذه الأزمة لن تبقى إلى مالا نهاية، وإذا ما تعرضت الأرباح الفصلية إلى تدهور محدود، فالأمل بتعافي الأسواق وزيادة الطلب وخروج العالم من الكساد الحالي كفيل بعودة النمو لها من جديد. البيانات المالية أكدت سلامة القطاع المصرفي، وقدرته على تحقيق الأرباح في أحلك الظروف، وحرصه على وضع مخصصات عالية لتغطية الأسوأ، والتزامه بتقديم توزيعات نقدية لحملة الأسهم وكل هذه مؤشرات إيجابية يفترض أن تتلقفها السوق والمتداولون. قطاع البتروكيماويات أثبت أيضاً استمراره في تحقيق الأرباح وبعده عن شبح الخسائر التي أخرجت كثيراً من شركات البتروكيماويات العالمية من السوق. القطاعات الأخرى حققت أيضاً أرباحاً منطقية مقارنة بوضع أسواق العالم المتأزم. بعض التوزيعات النقدية قاربت ما نسبته 10 في المائة من سعر الأسهم الحالية، وهو عائد لا يمكن تحقيقه في الظروف المتفائلة في كثير من دول العالم. اقتصادنا الوطني بألف خير، وشركات السوق السعودية أثبتت أنها قادرة على التكيف مع الوضع الاستثنائي للأزمة العالمية التي لن يطول أمدها بإذن الله، والمستثمر الحذق هو من ينظر إلى الأمام بثقة ويقرأ المستقبل وينجح في استغلال الفرص التي توفرت للجميع دون عناء. السكينة السكينة يا أصحاب المال، فثقتكم بالله أولاً ثم باقتصاد الوطن، وبشركات السوق هو مدخل البناء وقاعدته الصلبة. لن يجد من لا يساعد نفسه على البقاء والنمو من يدفع به إلى الصفوف الأمامية، ومن لا يثق بما يملك، فسيجد الآخرون أكثر تشاؤماً فيه، منه.
****
f.albuainain@hotmail.com