محمد العنقري
أنهت الشركات المدرجة بسوق المال إصدار نتائجها المالية وسط انخفاض كبير عن نتائج أي ربع خلال العام المنتهي 2008، فقد حققت جميع الشركات أرباحا بالربع الرابع وصلت إلى أقل من عشرة مليارات ريال وبانخفاض فاق 60 بالمائة عن أي ربع من العام نفسه أو حتى الربع المماثل من 2007 وبلغ اجمالي أرباح عام 2008 (82 مليار ريال) بانخفاض بلغ 7 بالمائة تقريبا عن العام 2007 وبقراءة ما عكسته تلك الأرقام فيمكن القول إن التشكيك بأثر الأزمة العالمية والتقليل من حجمها تبدد الآن بصدور النتائج لتكشف على أرض الواقع أن التأثير كان بالغا، وانخفاض أسعار الشركات إلى مستوياتها الحالية لم يأت من فراغ أو نتيجة طبيعية لسوق ناشئ يوصم بالعشوائية لا تحكمه معطيات التحليل الأساسية بل كان التصحيح بالأسعار منطقي نتيجة توقع هذه النتائج المتراجعة بحدة مما يعني أن مديري المحافظ وكبار المستثمرين الذي هم من يقود اتجاهات السوق كانوا يتحوطون لمثل هذه التراجعات الحادة بالأرباح وبالتالي يتعاملون بحرفية مع المخاطر المحتملة لذلك والتي ترتكز على تصفية مراكزهم وانتظار الأسعار عند مستويات تتناسب مع المستقبل وهو ما انعكس على السوق بالمرحلة السابقة وسيكون هناك تقييم جديد تتحدد ملامحه ربع بعد ربع خلال العام الحالي 2009 ولكن لقراءة الصورة الكبيرة لهذه النتائج يجب أن نحدد العوامل التي لعبت الدور الرئيسي بها.
ويأتي على رأس هذه العوامل الأزمة العالمية ماليا واقتصاديا فقد انحسرت التجارة البينية عالميا بسبب توقف الغطاء المالي نتيجة انهيار البنوك العالمية مما أثر على قطاعات التصدير لدينا بدرجة كبيرة جدا ويعتبر قطاع البتروكيماويات الأساس فيها فكان انخفاض الأرباح وتراجعها بشكل حاد مسألة حتمية ولم يكن معلوما حجمها نتيجة غياب المعلومات والتقارير الاقتصادية التي قد يكون لها أثر إيجابي لو أنها كانت متواترة على المساهمين لتحسين قدرتهم على اتخاذ القرار المناسب مبكراً فيكفي أن نرى نسبة انخفاض أسعار المنتجات البتروكيماوية التي فاقت 65 بالمائة لنعرف أن تراجع الأرباح سيكون حادا أما القطاع المالي فكان التخوف من الاستثمارات الخارجية والمحلية ولكن التحوط النسبي ومراقبة مؤسسة النقد وتحفظها سأهم بالعبور من هذه الكارثة دون آثار بالغة وعميقة أثمرت نتائج مرضية حسب المعلن وهذا بدوره يسجل للمؤسسة ويعبر عن نظرة ثابتة لموازنة عمل هذا القطاع بأن يكون دوره المحلي أكبر بكثير من تحقيق أرباح تأتي من الخارج ولكنها تحمل في بطنها سلبيتين الأولى التعرض لمخاطر عالية وتقليص حجم الدور المطلوب منها محليا وهو الأهم وتحديدنا لقطاعي البتروكيماويات والبنوك من حيث الأهمية بالعلاقة مع الأزمة العالمية يأتي لما يشكله من نسبة تفوق 60 بالمائة من أرباح السوق المالية بشكل عام فقد حققا للعام المنتهي فقط ما يفوق 53 مليارا من أصل 82 مليارا لمجمل أرباح السوق.
أما العامل الثاني فهو إدارة الأزمة من قبل الشركات فلم يكن هناك تحوط كبير من قبلها رغم أن بداياتها من نهاية 2007 ومعروف أنها ولدت من رحم النظام المالي العالمي فبالتالي كان يفترض تقدير الضرر الذي سينعكس على الاقتصاد العالمي مما يعني تراجع الطلب ويفرض ضرورة التخطيط للتوقعات الأسوأ من حيث تخفيف المخزون وتقليص الإنتاج حتى لا يتراكم لديهم تكاليف إنتاج مرتفعة مع الأخذ بعين الاعتبار طريقة التعاقد على مدخلات الإنتاج بأقل أثر ممكن، فهناك شركات صناعية عديدة مسحت أرباحها بالربع الأخير نتيجة لذلك.
وتبرز مشكلة كبيرة أخرى كشفت عنها النتائج لبعض الشركات الصناعية والخدمية حيث تقوم هذه الشركات باستثمار أموال لديها بمحافظ بالسوق المالية المحلية رغم أنها تمتلك نشاطات مربحة مما كبدها خسائر عند تقييم هذه المحافظ كبيرة جدا بل فاقت ما كان يتوقع من البنوك التي يعتبر الاستثمار من صميم عملها مما يعني قصر النظرة المستقبلية لها وعدم وجود إدارة مخاطر تتحوط مبكرا لأي سلبيات قادمة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يسمح لهذه الشركات المصنفة ضمن قطاعات إنتاجية باستثمار أموال المساهمين بأسواق المال فماذا أبقوا للبنوك وقطاع التأمين وشركات الاستثمار المتعدد ومن هنا يجب النظر مجددا بواقع تلك الشركات وعدم السماح لها بتكوين محافظ استثمارية وتوجيه أموالها نحو نشاطات ضمن إطار ترخيصها وكان يمكن لتلك الشركات أن تستفيد من تلك الأموال للاستحواذ أو التوسع بالإنتاج واستغلال الفرص المتاحة محليا وعالميا بدل الوقوع في فخ الخسائر التي تحققت. وخلاصة القول أن شركاتنا أظهرت عيبا وقصورا إدارايا في هيكليتها انطوى على غياب إدارة المخاطر والحسابات الدقيقة لجدوى استثماراتها وتحركاتها بشكل عام ولا نعمم هنا فهناك شركات أعطت أفضل من التوقعات واحتاطت بشكل جيد عموما.
ويأتي العامل الثالث وهو دور الجهات الرسمية والرقابية فوضح ضعف دور التواصل مع شركات السوق وعدم التوجه مبكرا لتغيير بعض الأنظمة التي من شأنها توحيه الشركات نحو التعامل مع الأزمة بشكل أفضل وتقنين استثمارات الشركات باتجاهات مغايرة أو بعيدة عن نشاطها وتشكيل مركز معلومات لديها يزود تلك الشركات بالتقارير التي تتابع التطورات العالمية والآثار المحتملة على نتائج الشركات حسب نشاطها كما كان لبعض القرارات أثر سلبي على نتائج بعض الشركات كقطاع الإسمنت التي تأثرت أعمالها نتيجة حظر التصدير بشكل مطلق فكان الأجدى التعامل معه بطريقة لا تمنعه بقدر ما تقننه ويضاف لذلك أثر تأخر تنظيم قطاع التأمين الذي طرحت شركاته بالسوق مشلولة الحركة من حيث الإنتاج والخدمة وفعالة من حيث المضاربات الجنونية التي شهدتها شركات هذا القطاع وبدأنا نسمع أصواتا من إدارات تلك الشركات على الأثر السلبي لتأخر القرارات التي تسمح لهم بمزاولة نشاطهم مما كان له المردود السلبي على النتائج عموما فمن أصل 21 شركة مدرجة يقارب رأس مالها مجتمعة 4 مليارات ريال لم تحقق سوى أربع شركات أرباح وصلت بمجملها إلى 70 مليون ريال وهو رقم متواضع يصل إلى 1.5 بالمائة تقريبا من مجمل رؤوس أموالها.
يمكن القول إن نتائج الشركات بشكل عام جاءت متواكبة لحجم الأزمة من حيث التوقعات بسلبيتها ولكنها متباينة بفعل عوامل إدارية وتنظيمية ومن الواجب حاليا التوجه لحث الشركات على التعاطي مع المستقبل بشكل أكثر فعالية وتحوط، مع ضرورة تغيير وتعديل بعض القوانين وضرورة حث الشركات على هيكلة إدارتها ونشاطاتها بالمستقبل القريب ودعم إنشاء مراكز بحوث اقتصادية أكثر فاعلية وتقديم كل التقارير بشكل دوري من طرف الوزارات المعنية أو الغرف التجارية فالأزمات تولد دروسا يستفاد منها ولكن تحتاج إلى تطبيق عملي على أرض الواقع لتجنب أضرارها مستقبلا بل والاستفادة منها بتكوين كيانات اقتصادية قوية ستنعكس فوائدها على الاقتصاد الوطني بشكل كبير جدا مستقبلا.