كشف العدوان الإسرائيلي على غزة، أنه لم يكن وحده هو المشكل الذي أرّق وفرّق، وباعد بين أكثر من عاصمة عربية.
* لكأنما جاءت أزمة غزة، لتذرو الرماد عن نار كانت تستعر خلفه، وتنتظر تلك اللحظة المناسبة، لتنفجر لهباً في كل اتجاه، وتتقد غضباً في كل الجباه.
* ما إن بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى تباينت الصفوف العربية ذات اليمين وذات الشمال. صفوف شرّقت، وصفوف غرّبت، وصفوف.. وإن ظلت ثابتة على مواقفها السياسية، ومبادئها الأخلاقية، فلم تتماه مع صيادي الفرص في أزمات كهذه، إلا أنها أصبحت في مرمى المتماهين والمتمايلين مع أحزاب وجماعات وفئات وعواصم، لا تتحقق مصالحها الخاصة، إلا في أجواء مشحونة بالغضب والفوضى، ولا تتحدد مكاسبها المتعددة، حتى تأخذ فرصتها كاملة، في سبك الدسائس، وحبك المؤامرات، وتخريب البيت العربي من أساسه.
* في هذا الوقت العصيب، حيث كانت غزة تواجه الموت على مدار الساعة، وتقدم مئات القتلى والجرحى، وتفقد تحت التدمير والقصف، بنيتها المدنية الأساسية، من كهرباء ومياه ودور وطرق وغيرها، كان المخلصون يتلمسون المخرج السريع والسليم من هذا المأزق، وكان (غيرهم) لا هم له، إلا الخطب الرنانة، وصب المزيد من الزيت، على نار مشتعلة براً وبحراً وجوّاً.
* كان الخَطْب العظيم الأليم، يلف قطاع غزة، وكانت الخُطب الحماسية، تهدر من جنوب لبنان وغير لبنان، وكان التوعد والوعيد، يتصعد في سماء طهران، فما كان شغل القوم الشاغل، سوى البحث عن حصة مجزية من كعكة سياسية ملطخة بدماء سكان غزة.
* كان.. وكان.. وكان، من لقاءات ومؤتمرات واجتماعات، لا يخلو بعضها من شبه وريب ونوايا غير بريئة، حتى طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، فجاء القائد الكبير بحق، (عبدالله بن عبدالعزيز)، ليعلن من قمة الكويت، خريطة طريق عربية بحتة، تضع النقاط على الحروف، بكل أمانة وصدق، وبكل شفافية عُرف بها خادم الحرمين الشريفين، فأوقف المتاجرين بقضية فلسطين، والمتربحين بأزمة غزة بشكل خاص، عند حدودهم.. فلا يتعدوها بعد اليوم.
* حسم الخطاب الملكي لخادم الحرمين الشريفين، في القمة العربية في الكويت، حالة التشرذم في المشهدين الفلسطيني والعربي، بتلك المصالحة الأخوية اللافتة، التي تمت في ضيافته رعاه الله، ففتح من جديد، باب الوحدة العربية، الذي كاد أن يُنسى، ووضع العالم كافة، أمام مسؤولياته الأخلاقية، إزاء ما تنتهجه إسرائيل من عدوان ممنهج، وتقويض مبرمج، متجاهلة بذلك، مبادرة السلام العربية، ومستهدفة بكل غطرسة وكبر، عملية السلام في المنطقة، ثم توج نصره المؤزر هذا، على الوضع المتأزم في منطقتنا، بالكشف عن مناصرة حقيقية فعلية لا قولية، من أجل تضميد جراح أهل فلسطين، وإعادة إعمار غزة، تمثلت في دعم سخي غير مسبوق، يبلغ (ألف مليون دولار)، مقدمة من الشعب السعودي، الذي يصطف خلف قائده المظفر، (الملك عبدالله بن عبدالعزيز)، والذي يعرف كيف ومتى يدعم إخوانه، في حين يعتقد آخرون في أكثر من قطر عربي وغير عربي، أن الخطب الحماسية، والمظاهرات الحاشدة، والصياح في المايكروفونات، وحرق الصور والأعلام، هو ما ينقص إخوان لهم في غزة، يتعرضون للقتل والدمار والتشريد صباح مساء.
* لقد حسمها حقاً، الكبير ابن الكبير (عبدالله بن عبدالعزيز)، فشكراً أبا متعب، أن أرحتنا من تهريج المهرجين، وزيف الزائفين، وتفه التافهين.
assahm@maktoob.com