كنا في المرحلة المتوسطة، وكان لنا زميل يحب الاطلاع، ويتابع - بين أشياء - مجلة (المنهل)، واختلف ما نشره مؤسسها الأستاذ عبد القدوس الأنصاري 1324-1403هـ - عليه رحمةُ الله - عما قرأه في جواهر الأدب حول اسم أحد الأعلام ولعله (الصاغاني) فبعث بمقال تصحيحي، ورد عليه الأستاذ بلباقة، فاستسمن صاحبنا الصغير ورمه الكبير، وعقب بكلمات غاضبة عنونها: (أساء فهماً فأساء إجابة)، ونشر الأستاذ ذلك بعدما بدل العنوان وأشار إليه في الهامش.

* كان الأنصاري حليماً، وربما لم يدر أنه يناكف فتى لما يبلغ الحلم، والحكايةُ هنا مساحةُ رأي تتسع مهما ضاقت النفوس؛ فالإلغاء والإقصاء محوران يرتدان وسمَ خوف وسمة حيف.

* نستعيد المثل العربيّ (أساء سمعاً فأساء إجابة) المنسوب إلى (سهيل بن عمرو) ووجهه لزوجه (صفية بنت أبي جهل) بحق فتاهما (أنس)، ونتذكر فتانا الذي استبدل الفهم بالسمع، كما نتأمل حوارات الصمّ التي تغلق المنافذ أمام الفهم المتبادل داخل النطاق الشعبي والمنطق النخبوي على حد سواء.

* انقضت أحداث غزة إلى حين، لتتجدد المأساة لا من العدو وحده؛ فهذا طبعه، والحرب معه حتميّة تاريخية وحضارية لا مكان فيها لسلام وإن أذنت بهدنة، بل ممن يسيئون فهم هذه الحتميّة؛ فتجيئ إجاباتهم مرتهنة لمواقف مؤدلجة ومسيسة لا تعنيها الدماء والدموع، والأرض والعرض.

* من يسئ السمع أو الفهم يُسئ الإجابة، ولكن خطأ عابراً حول اسم تاريخي يختلف عن خطايا بحق التاريخ الذي لا يأبهُ بمن يعلو صوتُه أو يمتد صيتُه؛ فله حساباتُه ومحاسبوه، ولا يدرك نتائجَه العرافون والمزايدون.

* السطر الأخير أهم.