يلاحظ أن مستوى الحكام السعوديين مرتفع جدا عند تحكيمهم مباريات خارجية، ولكنهم يؤدون أداءً باهتا، ويقعون في أخطاء فادحة عند قيادة المباريات المحلية. ويدل ذلك على قدرة فنية ولياقية عالية، وقصور نفسي كبير، ناتج عن الضغوط التي تمارسها أطراف عديدة على الحكم السعودي، مما أثر على أدائه حتى في المباريات الخارجية في الفترة الأخيرة..
إن الحكم السعودي عندما يدير مباراة أجنبية فإنه يكون خارج الضغوط؛ ضغوط الإعلاميين من صحافيي الأندية التي ابتليت فيهم الصحافة التي عجزت عن الارتقاء إلى المستوى الحاصل في كثير من المجالات وحتى مستوى عقل المتلقي. وبقيت على حالها بعقلية قديمة تغذي التعصب، وضغوط رؤساء الأندية الذين يجعلون من التحكيم مشجبا يعلقون عليه إخفاق فرقهم، أو بالأحرى إخفاقهم المتمثل في سوء الإدارة وضعف الإعداد..والمفارقة العجيبة أن الحكام الأجانب الذين أداروا بعض مباريات الدوري والكأس وقعوا في أخطاء كبيرة لا يقع فيها الحكم السعودي، ومع ذلك سكت رؤساء الأندية، ربما لأنهم هم من طالبوا بالحكام الأجانب، وربما لقناعتهم بأنه لا جدوى من الحديث عن الحكم الأجنبي لأنه بعيد عن ضغوطاتهم وبالتالي هي غير مجدية..إن ما يفعله رؤساء الأندية في المملكة لا يمكن أن يحدث في أي دولة متقدمة كروياً خاصة أوروبا؛ فهم لديهم القناعة بأن الحكم بشر، ومعرض للخطأ في بعض الحالات، والخطأ الذي يقع فيه يمكن أن يحدث لأي من فرق الدوري، وبالتالي يمكن أن يستفيد أي فريق من تلك الأخطاء، وكذلك يمكن أن يقع ضحية لها.. وهم يعتبرونه خطأ بشريا ولا يؤولنه بميول أو استقصاد وتعمد إسقاط للفريق، كما يعتبرون أخطاء التحكيم جزءا من اللعبة.. في حين رؤساء الأندية لدينا يشنون حملة قوية مركزة على الحكم قبل المباراة، وبعد المباراة إذا كان فريقه مهزوماً، دون أن يمنح فرصة أو مهلة يعود فيها إلى العقل فيخرج بكلام عاطفي مضحك، وللأسف يؤثر فيه على بعض الجماهير وبالتالي يشعل فتيل التعصب..
وللأسف الشديد نجد كثيرا من الصحف تحولت إلى دكاكين لبعض الأندية، بل ومدرجات ينطلق منها صراخ وعويل وتهجم عاطفي ساذج يؤجج المشاعر والعواطف ضد حكام معينين، يرون أنهم يهضمون حقوق فرقهم، يشجعهم على ذلك رؤساء الأقسام الرياضية لغرض تجاري بحت يتعلق بتوزيع وتسويق الجريدة، ولكنه على حساب رقي الرياضة السعودية، ويدفع ثمنه الحكم السعودي الذي بدأ يتأثر نفسيا من الضغوط التي انتقلت من رؤساء الأندية وصحافة الأندية إلى الجمهور الذي أخذ يردد اسطوانة التحكيم المشروخة..والذي أميل إليه أن العامل النفسي المرتبط بالصحافة ورؤساء الأندية وبالحكام وهم ضحيته يلعب دوراً كبيرا ومؤثرا في مأزق التحكيم لدينا. ولا مخرج من ذلك المأزق إلا بعلاج مسبباته، وهي واضحة لا تخفى على المسؤولين والمتابعين للكرة السعودية والمتمثلة بالضغوط التي يمارسها الإعلام ورؤساء الأندية ومن يمثلهم على الحكام، وبالتالي فان أي معالجة لوضع التحكيم يجب أن تنطلق من هذا البعد وتعزيز ثقة الحكام بأنفسهم، أو إعادة بناء الثقة المفقودة من خلال إيجاد جو نفسي مناسب للعمل، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تفعيل القانون، وفرض عقوبات صارمة تطال رؤساء وأعضاء مجالس الأندية الذين يتطاولون على الحكام بمناسبة وغير مناسبة..والمضحك أنك تجد أن المسؤول يخرج مباشرة بعد المباراة التي يهزم فيها فريقه بمبررات واهية، تثبت أن فريقه تعرض لظلم تحكيمي فادح من خلال ضربة جزاء لم تحتسب، أو أخرى احتسبت عليه. في حين يرى جميع من يشاهدون المباراة من خلال التلفزيون أن ذلك مجرد وهم يعشش في ذهن ذلك المسؤول، وأن ما يقوله يخرج من عقله الباطن كمبرر ساذج للهزيمة لعله يشفع له أمام الجمهور الغاضب..
المفروض في حالة الإساءة لحكم المباراة من قبل مسؤولي الأندية أن يتم التأكد من خلال لجنة فنية محايدة -هذا إذا كان التصريح عقلانيا لا يخرج عن الروح الرياضية- فإذا ثبت صحة تصريح المسؤول وأن فريقه قد تعرض لظلم تحكيمي فيلفت نظر الحكم، وينبه إلى أخطائه. أما إذا كان المسؤول الرياضي قد جانبه الصواب فيعاقب بالغرامة التي يتناسب مقدارها مع قوة التصريح، كما يقيد خروجه لوسائل الإعلام بعد مباريات فريقه حتى لو وصل الأمر إلى إيقافه فترات محددة عن الظهور الإعلامي حفاظا على سمعة الكرة السعودية وكرامة الحكام الذين يحتاجون إلى بيئة عمل صالحة حتى يبدعوا..إذا الحكم السعودي مهيأ فنيا ولياقيا للنجاح تحكيميا، ولكنه عاجز نفسيا عن تحقيق ذلك النجاح بسبب ضغوط خارجية من مسؤولي الأندية والإعلام. وعلى المسؤولين عن تطوير الرياضة السعودية حماية الحكام والتحكيم من خلال إيجاد قوانين رادعة تكون كفيلة بخلق جو مناسب لأداء الحكم لمهامه. ولا يعني ذلك الحجر على حرية التعبير، وإنما وقف الإساءة والبذاءة المتسربلة تحت ستار حرية التعبير.
عبدالله العرفج
aharfaj@gmail.com