قد يكون كما قال الحكماء (إذا تكلم الرصاص فليس للقول من صول)، لكن إذا كان الكلام لما يسرّ وفيما يسر ولإيراد محاسن تغيب إثر محنة ما يمرّ بالأمة بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة فلا تثريب، بل إن بسط ذلك مما يدخل السرور على المسلم:
|
يقول المولى تعالى: (يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) (29) سورة محمد، ما كنا - والحمد لله- بحاجة لمعرفة (أضغانهم) لكن هي رسالة للبشرية جمعاء عن هذه الشرذمة التي تلبست وتزيفت لأمم الأرض حتى انخدع بها كثير من تلك الشعوب، سواء بالنسبة لما يقدمه الإعلام العالمي المسيطر عليه (بالمال اليهودي) فالصور التي تعرضها شاشات العالم و(الإسلامي) منه بالأخص، لو كانت بالطرف الآخر لقامت الدنيا ولم تقعد.
|
وما أسر (شاليط) -وهو نفر واحد أمام آلاف في سجون العدو- إلا أجلى شاهد لمن يعاند! بل إن إسرائيل عاثت في جنوب لبنان الفساد بسبب جنديين.
|
فيما يرفد صنائعها تلك الجهة الخرساء المسماة ب(الأمم المتحدة) أمام إجرام هذه الدويلة، بل تلبس قبيح فعالها الأعذار، وتُقدم عنها الحجج، وإن لم تستطع -بين فينة وأخرى- قام عضيدها (مجلس الأمن) الموبوء ب(الفيتو) .. بالمهمة!
|
أجل، وصدق شاعرنا (د. عبدالله العثيمين):
|
و(مجلس الأمن) الذي زعموا |
كيف ما شاءت له يكن |
وما تقدم ليس مقدمة، بقدر ما هو إثبات ثابت، وترسيخ للحقائق.
|
ومع هذا يجدوا من ساسة الغرب خصوصاً (ساركوزي) الذي هب للدفاع.. ثم للنجدة... ثم..
|
فلا عجب أن تقول -عندها- صحيفة أو قالت الجارديان: (إسرائيل والغرب سوف يدفعون ثمن حمام الدم)!
|
حتى أن وزير خارجية فنزويلا قال: (إن إسرائيل إن نجت من حساب الأرض فلن تنجو من حساب السماء)!
|
كما اضاف أكاديمي يهودي: (إسرائيل تحفر قبرها بيدها، وتكرر سلوك هتلر)!!
|
ثم، وفي هذا الظرف القاتم، والأمر المدلهم ماذا يقول صاحب (القلم)، والأمانة العلمية من بعد ذكر للوقائع.. ثم نعي لحال أمة أكثر من (مليار) مسلم! أمام بضع لا يتعدى أصابع اليد الواحدة من ملايين الصهاينة- إن ضربوا لم يجدوا (خالدا) يردعهم أو (صلاح الدين) يصلح حال أمتهم، أو (طارقاً) ليقود عرمرمهم!
|
هذا.. إن لم أقل تفوقوا، وارتقوا على هامتنا وهمتنا (نحن) أمة الحق، والجهاد، وقمع أهل الزيغ والعناد والفساد.
|
|
(حين تنهزم المؤسسة العسكرية والسياسية العربية في كل حروبها مع العدو الصهيوني، وتنتصر المقاومة، وتصر الجماهير على أنها لن تصافح ولن تصالح، فهل يعطي هذا مؤشراً على أننا لا نشكو الضعف بل التنافر والتآمر؟).
|
هل أقول خوِّفنا بأمم الغرب، أو أُرهبنا بجيش لا يُهزم -كما ينعت بني صهيون عسكره- فرُدعنا برؤوس نووية.. أسداها من لا يفهم عقلية هذه الأمة، وبإذن الله سيتجرعون (غصّة) ذلك، إن لم يكن بضمائرهم على نتاج صنائع دولة يهود.. فبالغالب على نقيضه (ما سوف تؤول إليه هذه الدولة!) وإن كان تعليل فعلهم آتياً من ظن.
|
|
أنتم تواجهون.. لا أقول الموت بل الإبادة، لكن عزاءنا - المشيع بضعفنا (أو لن أقول استكانتنا) أنكم.. بإذن الله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} (104) سورة النساء.
|
وبعد هذا، ماذا سنقول عقب هذا (خطب) اليوم؟!
|
أو كيف بعدها ينشد سلاماً.. أو يرجى خيراً من وراء شليلة متعطشة لدمائنا، ولا أقول بهذا جزافاً.. فإن من يستقرئ جواب (شارون) على المبادرة العربية.. باجتياح (جنين) سنة 2002م أكبر دليل على مرام خطابي في هذا.
|
فنقول (صبراً) فإنه ولا شك الجراح هي مرتقى الصعاب والأشلاء والجماجم هي أعتاب المجد، ودماء (الشهداء) هي: الطاقة الحارقة لكل هوان، ف(نَصْرَ اللّهِ) -214 سورة البقرة- لا يحدد بمكسب ظاهري للمعركة.. لكن النصر للمسلم هو نصره في انتصار قيمه، والمعاني السامية التي يدعو لها، وبها.
|
ونصره.. ثباته في المعركة، ودفاعه عن الحق الذي يتبناه، ونصره في قوة إقباله على مولاه.. فمن الثبات إلى التمكين كما في قصة موسى عليه السلام مع فرعون حتى غرق!
|
إذا فلغزة (العزة) في الأرض والفضاء، فصمتها صوت الحق، وجراحها ضمير الخلق، وحصارها فتح لا غلق، والامة -من أجلها- لم تمت ولن تموت.
|
أبشروا أهل (غزة)، أبشروا:
|
أهل الصمود أبشروا، أهل الرباط أبشروا، وأبشروا.
|
يقولون يا غزة.. إنك محاصرة مقيدة، ووالله إنك لحرة، فالعزة والكرامة تملأ صدور أبنائك، وماذا استفاد غيرهم من سعة الدنيا وهم يحملون الذلة والخضوع بين جنباتهم، و(عنترة) الجاهلي أثبت هذا:
|
|
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
|
أنت الحرة، وغيرك المقيدون المكبلون.
|
أخيراً.. في هذا صح عنه صلى الله عليه وسلم (أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل).
|
لا أقدم لكم حسنات ليس شأوها ببعيدة على من قرأ التاريخ وتمعن بالسير، واطلع على ما تحمله خباياه، إما خير للصابرين، أو عاقبة للمتقين.
|
فمن حسنات هذه المصيبة التي وقعت عليكم (إخواننا) في غزة:
|
1 - إحياء (كراهية بني صهيون) في القلوب.. يقول وزير خارجية فنزويلا: (غزَّة تحملي.. فالعالم يقف من أجلك).
|
2 - إعطاء مسألة فلسطين المغتصبة حظها من همّ المسلم عموماً.
|
أو حتى (النظر بحق) لما تستحقه هذه القضية الإسلامية (الأولى) اليوم، والتي تغيب بين الاهتمامات الأخرى للشعوب.
|
3 - النظر بحق لما يزيفه اليهود: أنهم محبون متطلعون للعيش بسلام مع جيرانهم.
|
4 - الالتفات إلى حال هؤلاء بتلك الأماكن المغتصبة.
|
5 - الكشف- دون دراية عموماً - عمن يتسللون بين الأمة بداعي: الغيرة من أن يكثر القتل في الأمة)، ألا:
|
فـ(جزى الله الشدائد كل خير
|
فقد عرفت بها عدوي من صديقي)
|
6 - الدعاء لأولئك وبذل الممكن لدعمهم.
|
7 - إن في ذلك وقد يكون (الأهم): يتولد منه خيراً بالغالب، فإن ينظر العالم وتذكيره بهذه السليبة من خلال هذا (الطرق) ثم إدراك ما يقاسيه -سبباً- ما قد يجبر العدو لما يحظى به (بعد) هؤلاء المظلومون!.
|
|
بعدها.. على من نبكي؟، أحسب جواب الأخت لبنى الخميس.. كافياً:
|
(لن نبكي على غزة -العزة- لنبكي على أنفسنا وعلى حال أمتنا أولاً.. لن نبكي على من سقطوا من النساء والأطفال والرجال.. فهم شهداء: {أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (169) سورة آل عمران.
|
|
لمثل هذا يذوب القلب من عمدٍ |
إن كان في القلب إسلام وإيمانُ |
لكن مع هذا فلدينا (سهام الليل) التي لا يقاومها أي قوة أو عتاد..
|
أتهزأ بالدعاء وتزدريه |
وما تدري بما صنع الدعاء |
سهام الليل لا تخطئ، ولكن |
لها أمد، وللأمد انقضاء |
اللهم هذا الجهد (مع الدعاء) وعليك في كل حال ومدلهمة التكلان.. أن لا تكلنا لجهدنا طرفة عين فإنك بالإجابة جدير وعلى نصرنا قدير.. يا {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}(40) سورة الأنفال.
|
كما ونذكر أهلنا بلزوم الاستغفار للحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً..) الحديث، ولا أحسب أن هماً يوازي كرب ما هم فيه.
|
الرياض |
|