Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/01/2009 G Issue 13265
الخميس 25 محرم 1430   العدد  13265

صُنَّاع تاريخ
د. فؤاد عبدالسلام الفارسي

 

لقد انتظم عقد مؤتمر القمة العربية الاقتصادي في دولة الكويت الشقيقة في ظل ظروف استثنائية تعيشها المنطقة بسبب الحرب العدوانية التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر الأعزل، الذي تصدى لآلة الحرب الإسرائيلية الجوية والبحرية والبرية بقوة إيمانه وصموده لتمسكه بأرضه وحقه في الحياة الحرة الكريمة.

ولعل مما زاد من الأحزان اتساع الخلاف بين الإخوة الفلسطينيين.. إضافة إلى التشرذم العربي بفعل المؤثرات الخارجية المتعددة الأهداف التي تحكمها أجندتها السياسية، وكل ذلك مما زاد الطين بلة في وقت أحوج ما تكون فيه الأمة إلى وحدة الصف العربي لمواجهة الأخطار المحدقة.

لذلك لم يكن مستغربا أن يطغى على وجهات النظر لدى الرأي العام أن مؤتمر القمة العربي الاقتصادي محكوم عليه سلفا بالفشل الذريع.. ولكن ما إن انعقد المؤتمر وبدأ المشاركون بإلقاء كلماتهم التي اتسمت بالحكمة والرصانة والرأي السديد.. فكانت كلمة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بلا منازع الكلمة الفصل لتصويب المسار ولالتئام الشمل ولبناء الذات ولمعالجة الجرح النازف.

ومما ورد في كلمته التاريخية الموجهة لإخوانه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. عبارات صادقة ومخلصة صادرة من القلب بكل شفافية ووضوح ومنها (لقد تجاوزنا مرحلة الخلاف وفتحنا باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء.. أناشدكم بالله باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس أن نسمو على خلافاتنا وأن نهزم ظنون أعدائنا.. ونقول لأشقائنا الفلسطينيين إن فرقتهم أخطر على قضيتهم من العدوان الإسرائيلي.. وإن قطرة دم واحدة من الدم الفلسطيني أغلى من كنوز الأرض) كما أعلن - حفظه الله - عن تقديم مليار دولار مساهمة من المملكة وشعبها في برنامج القمة لإعادة إعمار غزة.

إذن الممانعة لا تتحقق لمجرد إطلاق الشعارات وإنما بالحلم والأناة، والصبر وسعة الصدر، والمثابرة والتكاتف، والتعاضد والأخذ بالأسباب على درب تحقيق الأهداف التنموية ولاستعادة الأراضي العربية المحتلة كافة وفق مقتضى القرارات الشرعية الأممية ذات الصلة.

وهكذا يقترن القول بالعمل لإعادة اللحمة إلى الصف العربي بالتسامي فوق الخلافات وكشف مسببات ذلك وتشخيص مصادره المشبوهة لتبصير كل من يهمه الأمر لأخذ الحيطة والحذر من الأجندة الخارجية التي لها أهدافها ومراميها المختلفة.. وهنا تبرز حكمة وحنكة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبعد نظره لتحييد كل ما يجب تحييده من أجل مصلحة الأمة لتبقى دائما وأبدا عزيزة مصانة من المتربصين بها.. وذلك هو ديدن المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وحتى هذا العهد الزاهر الذي يمضي قدما من منطلق إيماني على نهج السلف الصالح امتثالا لقول الحق تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وصدق الشاعر إذ يقول:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا

وبذلك يتضح لكل ذي لب أن هناك أناسا عظماء يصنعون التاريخ فتدون أسماؤهم في سجل الخالدين وآخرون ليسوا كذلك فيطويهم التاريخ فيصبحون أثرا بعد عين.. نعم إن التاريخ لا يرحم ولا يجامل إذا ما كتب بأيد أمينة.. وأختم كلمتي هذه الموجزة بالتوجه للبارئ تبارك وتعالى بأن يحفظ ولاة الأمر في بلادنا العزيزة، وأن يلهمهم مزيد التوفيق لكل ما من شأنه الرفعة والتقدم والازدهار وطنيا وعربيا وإسلاميا بل وعلى مستوى الأسرة الدولية لينعم المجتمع العالمي بالأمن والاستقرار ورغد العيش.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد