مؤتمر الكويت وفّر فرصة تاريخية لحماس للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وراهنت عليه، وانتهى الرهان إلى هذه الحرب المدمرة بكل المقاييس التي شنها العدو الإسرائيلي على غزة، وقتل فيها قرابة 1300 إنسان، وجرح أربعة أضعاف هذا الرقم، إضافة إلى الأضرار النفسية والمادية الأخرى.
مشروع المصالحة، الذي عرضه الملك عبدالله - حفظه الله- في خطابه التاريخي الذي هيمن على مجريات القمة، وتسامى على الرؤى الضيقة، وارتقى بالمؤتمر، وفعاليات المؤتمر، إلى مستوى مواجهة التحديات التي تتجاذب المنطقة. هذا الخطاب يُمثل فرصة ذهبية لتعيد حماس حساباتها، وتحالفاتها، وتعود عن رهانها على الإيرانيين، بعد أن اتضح للجميع - وللفلسطينيين أولاً - أن الحرب التي دفعتهم إليها إيران في غزة، هي حرب تقوية (مواقف) للمفاوض الإيراني أمام الأمريكيين في عهد أوباما، والتي تحدثت عنها في مقال سابق.
وأنا -وأرجو أن أكون مخطئاً- لا أظن أن الحماسيين سيستفيدون من الفرصة التي منحها إياهم الملك عبدالله، كما هو -للأسف- ديدنهم دائماً.
السبب أنني أعتقد أن الفلسطينيين بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص، ما زالوا يخطئون في فهم الواقع واستشراف المستقبل بعين الحصافة السياسية. من يقرأ تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك الصراع الفلسطيني الفلسطيني، يجد أنه عبارة عن مسلسل لا ينتهي من الفرص الضائعة, أو التي لا تستثمر كما ينبغي. لن أذهب بعيداً في الاستدلال، وإنما أريدكم أن تتذكروا مؤتمر مكة للمصالحة بين السلطة وحماس، وتلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الدبلوماسية السعودية للتوفيق بين الطرفين، وإلى أين انتهت هذه الجهود.
وفي تقديري، أن مصلحتنا في المرحلة الحالية تتطلب مثل هذه الجهود (التصالحية) بين دول المنطقة، لمواجهة ما قد ينشأ من نتائج من جلوس الأمريكيين والإيرانيين على طاولة التفاوض التي وعد بها أوباما، على اعتبار أن إيران هي الخطر الحقيقي الذي يجب أن نعمل (جميعاً) على مواجهته، وتطويقه، وتجريده من أوراقه التفاوضية مع الأمريكيين قدر الإمكان. وفي السياسة لا يوجد أبداً أصدقاء دائمون، وإنما البحث الذي لا يستجيب إلا إلى لغة المصالح، يستوي في ذلك جميع أطرف اللعبة، والإيرانيون على وجه الخصوص.
غير أن ما يقلقني هنا هو عدم قدرة الفلسطينيين تحديداً -كما يقول تاريخهم- على رؤية المشهد العالمي السياسي ومستجداته بشكل عام، وما يتعلق منه بالمنطقة بشكل خاص، بعين ترتقي عن تقديم المصالح الحزبية الضيقة على مصلحة قضيتهم الكبرى، وبالذات صراعهم مع إسرائيل، وما يتعلق بهذا الصراع من أبعاد ستنعكس على قضيتهم الأولى التي يناضلون من أجلها.
الورقة الفلسطينية، وبالذات ورقة غزة وحماس، إضافة إلى ورقة حزب الله اللبناني، ستكون حاضرة وبقوة على طاولة تفاوض الإيرانيين مع الأمريكيين في عهد أوباما، وسيحاول الإيرانيون اللعب بها بما يصب في مصالحهم، ومثلما لعبوا بمهارة بالورقة (الطائفية) في مواجهة الأمريكيين في العراق، ف(ابن العلقمي) الذي استغله التتار في الماضي، قد يستغله الأمريكيون اليوم، وهو كما كان دائماً رهناً لتحقيق المصالح لمن يدفع أكثر، وعلى استعداد -مثلما كان بالأمس- للتضحية بحلفائه متى ما كانت رياح المصالح تهب في الاتجاه الذي يريد. إلى اللقاء.