زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
* الدكتور محمد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبعد شكري وامتناني لشخصك الكريم على تواصلك معنا، فعندي مشكلة، وهي عبارة عن معاناتي من الرهاب الاجتماعي منذ أن كان عمري 16 سنة وأنا عمري الآن 38 سنة. وقد تناولت عدة أدوية مثل السيروكسات والبروزاك ولكن أحسن دواء تناولته بحمدالله هو دواء السيتالوجين سيتالوبرام 40 مجم. ولله الحمد فقد تحسنت بصورة كبيرة جدا وأنا أستعمله الآن منذ ستة أشهر.
السؤال حفظكم الله هو :
أولاً : متى وكيف أتوقف عن تناول الدواء؟
ثانياً : متى أحكم على نفسي أنني شفيت تماما من الرهاب؟ علماً أنني الآن لدي الجرأة على عمل الأشياء التي كنت أتخوف منها سابقا مثل المواجهة وغيرها.
ثالثاً : المشكلة الوحيدة الباقية معي هي أنني أتعرق بصورة شديدة خصوصا في الاجتماعات العامة، ولكن من غير خوف أو رهبة من الموقف فبإمكاني مواجهة الناس بثقة ودون خوف ولكن أتعرق ولا أعلم السبب في ذلك، وهل لذلك علاج..؟ أثابك الله.
أرجو أن تجد هذه الرسالة اهتماما من شخصك الكريم والله يحفظك.
* أخي العزيز: أولا الحمدلله الذي يسر لك وللكثير غيرك هذه العلاجات النافعة التي ساهمت وستساهم بإذن الله في ممارستك لحياتك الاجتماعية بشكل طبيعي لأن الرهاب الاجتماعي بلا شك هو أحد الاضطرابات المزعجة جدا، والتي تؤدي إلى ضعف شديد في مستوى المشاركة الاجتماعية وقد تساهم في حرمان الشخص الذي يعاني منها من الكثير من الفرص في حياته بشكل عام بما في ذلك الفرص الوظيفية حيث ترتكز الكثير من المهام الوظيفية في وقتنا الحاضر على التفاعل الاجتماعي الناجح وامتلاك مهارات التواصل الفعال. وهذا الاضطراب تحديدا يشل من قدرة الشخص على استثمار مهاراته الاجتماعية بسبب حاجز القلق والتوتر الشديد الذي يقوده عادة إلى تجنب المواقف الاجتماعية والبحث عن مبررات للهروب منها.
أذكر ذلك ليتضح مدى المعاناة الحقيقية التي يشعر بها من يعاني من الرهاب الاجتماعي حتى أنه من المعروف طبيا أن نسبة من الشباب المصابين بأعراضه يلجئون للأسف الشديد إلى تعاطي بعض المواد المحظورة لتخفيف الأعراض التي يشعرون بها واعطائهم نوعا من الجرأة والثقة المزيفة بدلا من اللجوء إلى النصيحة الطبية النفسية اللازمة في مثل هذه الحالات.
بالنسبة لسؤالك الأول المتعلق بإيقاف الدواء فهذا الأمر أخي الحبيب يتوقف على عدة عوامل؛ منها المدة التي استخدمت فيها الأدوية السابقة كالبروزاك والسيروكسات لأنه كلما كان الاستقرار والتحسن في الأعراض قد أخذ وقتا أطول وجهدا أكبر كان من المستحسن عدم الاستعجال بإيقاف الدواء على أن يكون ذلك باستشارة طبيبك الأساسي الذي بدأت معه استخدام الدواء الأخير علما أنك حاليا تستخدم الجرعة المناسبة، وعند التوقف يجب أن يكون ذلك بالتقليل منها بشكل تدريجي، وهو ما يساعد باذن الله على المحافظة على التحسن الذي تحقق مع الدواء حتى بعد ايقافه وهو الهدف المنشود.
أمر آخر بالغ الأهمية لمساعدتك في ايقاف الدواء، وهو دمج الجانب العلاجي الدوائي بجلسات العلاج النفسي خصوصاً ما يعرف بتقنيات العلاج المعرفي السلوكي الخاصة بالرهاب الاجتماعي، والتي لا يخلو عادة مركز طبي نفسي منها. ومن خلال هذه التقنيات تتعلم طرق المواجهة التدريجية المقننة لمخاوفك مع اكتساب مهارات التعامل مع القلق المتصاعد في المواقف الاجتماعية ومراقبته بهدوء حتى يأخذ دورته ويبدأ بالتلاشي شيئا فشيئا في كل مرة أسرع من سابقتها. وذلك بدلا من تجنب هذه المواقف والهروب منها وهو الأمر الذي يؤدي إلى سيطرة الخوف والقلق وفرض نفوذه عليك.
باكتساب هذه المهارات المعرفية السلوكية تكون قد قطعت شوطا هاما في التخلص من الحاجة إلى استخدام الدواء ويكون بمقدورك التوقف عنه تدريجياً دون خوف من حدوث انتكاسة للأعراض بإذن الله تعالى.
ثانياً : بالنسبة للشفاء التام من أعراض الرهاب الاجتماعي، فقد ذكرت أنت أحد الجوانب الهامة حاليا وهو قدرتك على المواجهة وأنك لم تعد تضطر للهروب وتجنب بعض المواقف العادية في مواجهة الناس كما كان يحدث سابقا، وهذا بلا شك مؤشر إيجابي جداً، لكن تذكر أنك تفعل ذلك وأنت مازلت تستخدم الدواء المناسب لحالتك والشفاء التام يكون بعون الله بعد توقفك عن تناول الدواء، والتأكد من أنك قادر على المحافظة على نفس التقدم الذي أحرزته في الجانب الاجتماعي حتى بعد التوقف التام عن استخدام الدواء.
لاحظ أن البرنامج العلاجي لن يغير طبيعة شخصيتك فشخصيتك ستبقى كما هي، ولكن ما سيحدث باذن الله هو أنك ستكون أقل توترا وقلقا، وأكثر تلقائية في المواقف الاجتماعية.
ثالثا : التعرق الشديد يشير عادة إلى وجود نشاط مفرط في ما يسمى بالعصب السمبثاوي، وهو علامة جسدية تشير إلى الاستعداد والتحفز خصوصا إذا كان يظهر تحديدا في المناسبات الاجتماعية لكنه لا يدعو برأيي للقلق لأنه لا يعيقك بأي حال من الأحوال عن التواصل.
الاحتمال الآخر هو أنك تبالغ في رصد ومراقبة كل أحاسيسك الجسدية في المناسبات الاجتماعية وهو أمر شائع عند من يعانون من الرهاب، ولذلك فقد تستغرب من عدم ملاحظة الآخرين لذلك وأنه قد يكون محسوسا وملاحظا منك أنت فقط. وتذكر أيضا أن التعرق هو أحد العلامات الجسدية المصاحبة لأعراض الرهاب الاجتماعي والتي ليس من المستبعد أن تكون آخر الأعراض التي تنجح في تجاوزها قبل تحقيق الشفاء التام بحول الله وقوته.
أسأل الله لك الشفاء العاجل والسعادة في الدنيا والآخرة.
إضاءة:
الخبرة ليست ما يحدث للمرء، بل ما يفعله المرء بما حدث له.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail : mohd829@yahoo.com