«الجزيرة» - أحمد الجاسر:
أكد الدكتور سعود صالح كاتب أن الصحافة التقليدية تواجه تهديداً حقيقياً وأن مستقبلها غامض، وتوقع قرب زوالها في ظل تكنولوجيا الإعلام الجديد، مشيراً إلى أن هناك صحفاً عالمية أصبحت توزع صحفها بشكل مجاني حفاظاً على جماهيرها. وبيّن في محاضرة (مستقبل الصحافة الورقية في ظل الإعلام الجديد) التي نظمها مؤخراً كرسي (الجزيرة) لدراسات الإعلام الجديد في كلية الدعوة والإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن غرفة أخبار المستقبل (الإعلام الجديد) ينبغي أن تختلف بشكل جذري عن غرفة الأخبار التقليدية التي نراها اليوم، وذلك من خلال استفادتها من التطورات التكنولوجية المتاحة، وأن تحصل على أفضل النتائج من الصحفيين الجدد العاملين لديها، إلى جانب تدعيمها أعمال النشر الجديدة، وقيامها بدورها في خدمة المجتمع المعلوماتي الجديد، مضيفاً أن صناعة الإعلام اليوم تبحث عن نموذج لفهم ما يلزم من احتياجات وما يمكن تطبيقه منها، ولبناء عامل الثقة بتكنولوجيا جديدة غير مألوفة وبانسياب غير تقليدي للعمليات، كما أنها تبحث عن نموذج ليستخدم كمرشد لكيفية تطبيق وإدارة التغيير الذي أصبح حتمياً.
وأوضح المحاضر أن الإعلان والتوزيع مصدرا الدخل الرئيسيان للصحافة المطبوعة، وأن الإعلان أهم مصدر دخل لها، لافتاً إلى أن الإعلان يمثل للكثير من الصحف ما بين 75% إلى 90% من الدخل الإجمالي، وفي بعض الصحف تزيد نسبة المساحات الإعلانية على 50% من إجمالي محتوى الصحيفة، مشدداً على أن سعر الإعلان الذي تحدده الصحيفة وحجم توزيعها يلعبان دوراً كبيراً في تحديد مقدار دخلها من الإعلان في سوق معين.
وقال: (المصدر الرئيس الثاني للدخل بالنسبة للصحيفة هو التوزيع، حيث تمثل قيمة النسخ المباعة للقراء ما بين 10% و25% من إجمالي الدخل)، وأضاف د.سعود كاتب أن أهمية التوزيع تكمن في تأثيره المباشر في حجم الإعلانات الذي تستطيع الصحف الحصول عليه؛ لأن ارتفاع أرقام التوزيع يعكس ارتفاع عدد قراء الصحيفة وانتشارها، والذي بدوره يعني للمعلن اختراقاً أكبر يجعل في إمكانه إيصال رسالته الإعلانية إلى أكبر عدد ممكن من القراء إلى جانب أن الإعلان يعد أحد الأسباب التي تدفع القارئ إلى شراء الصحيفة!
وعرف الدكتور كاتب التوزيع Circulation بأنه إجمالي عدد النسخ المباعة من الصحيفة، وفي الصحف المجانية بعدد النسخ الموزعة من الصحيفة يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً لتكرار صدور الصحيفة (يومي أو أسبوعي أو غير ذلك).
وعلل أهمية دقة تحديد أرقام توزيع الصحيفة بأن أرقام التوزيع تعتبر أحد أهم الأسباب التي يتخذ بموجبها المعلن قرار الإعلان أو عدمه في الصحيفة، كما أنها توفر للصحيفة قاعدة للتنبؤ بالدخل، كما أنها تتيح لها اكتشاف أسواق جديدة، واتخاذ إجراءات لتحسين المبيعات، واجتذاب قراء جدد في المناطق ذات التوزيع المنخفض.
وأشار الدكتور سعود كاتب إلى أن هناك مصادر دخل أخرى للصحيفة من خلال بيعها لبعض المنتجات الثانوية الأخرى، منوهاً إلى أن هذا النوع من الدخل يمثل نسبة بسيطة، غير أنه عند الأخذ في الاعتبار التكلفة المتزايدة لعمليات إصدار وتوزيع الصحيفة فإنه يعتبر أكثر أهمية لتحقيق عامل تنويع قاعدة الدخل، مبيناً أن بعض الصحف تقوم بإصدار ملاحق أسبوعية لجعل الصحيفة أكثر جاذبية للقراء والمعلنين، ومن أمثلة ذلك إصدار دليل لبرامج التلفزيون يوزع مع الصحيفة، إلى جانب مصادر أخرى للدخل يمكن الحصول عليها من خلال بيع الكميات المرتجعة من الصحيفة أو من البحوث أو بيع الصور.
وأوضح أن العديد من الصحف حول العالم لجأت إلى الإنترنت كمصدر للدخل تبني عليه آمالاً كبيرة، حيث إنه من خلال إيجاد موقع للصحيفة على الإنترنت يمكن تحقيق انتشار أكبر، كما يمكن استخدام الموقع لبيع الإعلانات، سواء المبوبة أو غير المبوبة أو حتى تحقيق دخل إضافي من الاشتراكات أو الدخول على أرشيف الصحيفة وقراءة المقالات أو الأعداد القديمة.
وأكد الدكتور سعود كاتب أن ظهور وسائل إعلامية جديدة لا يعني انتهاء أو قرب انقراض الصحيفة، مشيراً إلى أن الإعلام الإلكتروني خيار آخر للمستهلك وليس بديلاً للإعلام المطبوع، وأنه فتح أبواب ربح كبيرة للمؤسسات الصحفية، مشدداً على أن الانقراض احتمال وارد وقوي للديناصورات الرافضة للتغيير أو غير القادرة عليه، منوهاً إلى أن الحل الوحيد للنجاة على المدى الطويل يتمثل في قيام المؤسسات الصحفية بتعديل الأساليب الإنتاجية والتحريرية بما يتلاءم والتغيرات في التكنولوجيا ورغبات القراء. وبيّن أن الإعلام الجديد هو امتداد للقديم، وأن الإعلام الرقمي يختلف عن الإعلام القديم بالتفاعل، مضيفاً أن التفاعل هو قدرة وسيلة الاتصال الجديدة على الاستجابة لحديث المستخدم تماماً كما يحدث في عملية المحادثة بين شخصين.
وقال إن الاتصال في الإعلام القديم يتم في اتجاه واحد من الوسيلة إلى المستخدم، أما في الإعلام الجديد فإن الاتصال يكون في اتجاهين، وأن الإعلام الجديد متعدد الوسائط (نص وصوت وصورة وفيديو)، ويستلزم درجة عالية من التفاعل بين المستخدم والوسيلة، فضلاً عن أنه جعل من حرية الإعلام حقيقة لا مفر منها.
وأضاف: حقل الإعلام شهد على الأقل أربعة تغيرات رئيسية هي: اختراع الطباعة والراديو والتلفزيون وأخيراً ظهور الإنترنت، مبيناً أن ظهور أي وسيلة إعلامية جديدة لا يعني اختفاء أو انقراض الوسائل السابقة لها، وينتج منه إجبار الوسيلة القديمة على اتخاذ إجراءات وتعديلات تتأقلم بها مع مناخ المنافسة الجديد وتوجد لنفسها من ذلك موقعاً خاصاً تتركز فيه كوسيلة للنجاة من التغيير.
وقال: إن التطور التكنولوجي في حقل الإعلام أدى إلى إلغاء الحدود بين وسائل الإعلام المختلفة، وأكبر مثال على ذلك الاندماج بين التلفزيون والإنترنت، بحيث أصبحت كل وسيلة منهما يمكن استخدامها للدخول إلى الوسيلة الأخرى، ضارباً مثالاً آخر بالأعداد الكبيرة للصحف التي أوجدت لها طبعات خاصة على الإنترنت وقنوات الراديو التي أصبح من الممكن سماعها على الشبكة العنكبوتية.
وأضاف أن استخدام الوسيلة الجديدة يعني بالضرورة اقتطاع وقت معين من الأنشطة الأخرى؛ فمثلاً الوقت الذي يقضيه المشاهد أمام التلفزيون أو مبحراً في الإنترنت ينتج منه انخفاض في الوقت الذي يقضيه في الاستماع إلى الراديو أو قراءة الصحف أو المجلات أو الكتب.
وزاد: ظهور أي وسيلة إعلامية جديدة يكون مصحوباً دائماً بنوع من القلق والخوف والهجوم على تلك الوسيلة، وتوصف في البداية بأنها تضر أعين الناس وسمعهم وأي حاسة أخرى تتطلبها تلك الوسيلة، وفي المرحلة الثانية توصف بأنها تجعل الناس متبلدي الحس وقلقين ومضطربين أو حتى أغبياء، وفي الثالثة يبدأ وصف الوسيلة أخيراً بأنها خطر يهدد المجتمع بأكمله بالتفكك والانحلال.
وبين الدكتور سعود كاتب في محاضرته: هناك أربع وسائل لتحقيق الدخل من موقع الصحيفة على الإنترنت هي: تحصيل مبلغ اشتراك للدخول على الموقع، وفرض مبلغ معين مقابل المحتوى، إلى جانب الإعلانات والتجارة الإلكترونية، مؤكداً أن أهم قاعدتين ينبغي على الصحف اتباعها في سبيل تحقيق الدخل من المحتوى هما: التميز؛ لأنه على الرغم من أن مستخدمي الإنترنت لم يألفوا بعد دفع أي مبلغ مقابل المعلومات على الشبكة، إلا أن التجربة أثبتت أنهم على استعداد للدفع لقاء المحتوى المتميز الأصلي الذي يصعب العثور عليه في مواقع أخرى على الإنترنت، مضيفاً أن هذه القاعدة أثبتت نجاحها لدى كل من صحيفتي Wall Street Journal- Washington Post اللتين استثمرتا في تطوير محتوى أصلي لمواقعهما يهتم القارئ بالحصول عليه وليس من السهل العثور على بديل له في زوايا الإنترنت الأخرى، مشيراً إلى أن القاعدة الثانية هي السعر المنخفض للمحتوى.
وأوضح: الفرق بين الصحيفة الإلكترونية والورقية يتمثل في موعد الإنجاز الأخير على مدار الساعة (24- Hour Deadline)، وصحيفة متعددة الوسائط ومتفاعلة، إضافة إلى الاختلاف في أسلوب البيع. وتطرق إلى العوامل الرئيسة الأربعة التي تهدد دخل الإعلانات بالنسبة للصحف وهي: الاختراق، وتجزئة السوق، والتسويق الموجه، والتكنولوجيا الجديدة. وأكد أن البحث والتحرير هما إبرز الأسباب التي أدت إلى أن تكون الصحافة الإلكترونية متميزة، مبيناً أن كل ميزة من مزايا الارتباط المباشر يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الصحافة.
واشار إلى أن المعوقات الحالية هي توافر الخدمة في غرفة الأخبار، حيث إن هناك بعض الصحف لا تزال مترددة في توفير خدمة الإنترنت لصحفييها، وكذلك التدريب وعرض النطاق الذي ترتبط به سرعة الخدمة والقدرة على عرض الوسائط المتعددة بيسر وفاعلية، وسيطرة العقلية التقليدية على الصحفيين ومتخذي القرار في المؤسسات الصحفية والناتجة من الخوف من التغيير، إضافة إلى استعجال رؤية العوائد المادية للصحيفة الإلكترونية.
وقال الدكتور سعود كاتب إن الإعلام الجديد يعمل على تغيير الصحافة من أربعة جوانب هي: المحتوى Content والطريقة التي يؤدي بها الصحفيون عملهم، وتركيبة غرفة وصناعة الأخبار، والعلاقة التي تربط بين المؤسسات الصحفية والصحفيين وبين كل من المستهلكين (قراء، مشاهدين، مستمعين)، والمصادر Sources والمنافسين، والمعلنين، والحكومة.
وأوضح أن هناك اعتبارات مهمة عند الكتابة للصحافة الإلكترونية، وهي أن القراءة من على الكمبيوتر تختلف عن القراءة من الصحيفة الورقية؛ لأن القراء يقومون بالتصفح بشكل سريع على شاشة الكمبيوتر، وكذلك الاختصار بحيث يتم استخدام 50% بحد أقصى من المادة التي كانت ستستخدم للكتابة للصحيفة الورقية، وكذلك استخدام فأرة الكمبيوتر مثل جهاز التحكم عن بُعد للتلفزيون، والحرص على جعل العناوين بسيطة ومعبرة، كما تجب الإشارة إلى صفحات سابقة واستبدال ذلك بنقاط ربط، واستخدام الصور والحرص على ربطها بالموضوع، واستخدام نقاط الربط لتقسيم المواضيع الطويلة، إضافة إلى الحرص على التشويق وإبعاد القارئ عن الملل، واستخدام عبارات لافتة للنظر والأسئلة مع إبراز الجوانب المختلفة والمهمة للقارئ في كل جزء من المقال أو القصة.