في عموم الأحوال لا يضع أي إنسان عطراً على جسمه أو ملابسه إلا ويكون قد اختاره وانتقاه دون غيره من مئات الأصناف، حتى وان أٌهدي إليه عطراً فهو في الغالب لا يستخدمه إلا بعد تمريره على حواسه فإن استحسنه كان ذاك وإلا فمصيره الإهمال، ومع أن المرء يجتهد ويشغل ذائقته بكل طاقاتها وقواها لاختيار عطرها المفضل؛ إلا أنه لابد أن يصادف من يعترض على هذه الرائحة وإن لم يرفضها تماماً بدعوى أن هناك الأفضل، والأفضل هذه لن تنتهي فالتفاضل واختلاف الأذواق كان مع الإنسان منذ خلق ولن ينفك عنه حتى يفنى، وما لا يعجبك قد يبحث عنه الآخرون، فالمسألة هنا تخضع لقواعد الذوق التي تختلف من إنسان لآخر والجميع أمام تنوعات وتدرجات في الروائح العطرية، ولأنها كلها محببة فكل منها ستجد من يميل إليها.. غير أن التعامل مع العطور يختلف في التعامل بسلوكيات أخرى لا تخضع للذوق الخاص بل إن جملة سلوكيات التعامل بين الناس محددة في تعاليم الدين والعرف والإجماع عليها بين وسط اجتماعي وآخر، ولا يمكن أن نكسر هذه القواعد ونتجاوز الحواجز باسم الذوق الخاص والحرية الشخصية، فالذوق العام والحدود العامة للآداب والأخلاق المتفق عليها أشمل وأعم وأقوى من ذوق خاص وربما شاذ يريد أن يزعج الآخرين، فإنك إن تزعجهم بعطرك الخاص ربما احتملوك لكنهم ينبذونك إن اعتديت على ذوقهم العام، فاحذر.