كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - في مؤتمر قمة الكويت الاقتصادية والتنموية كلمة تاريخية بكل المقاييس، فقد وضعت النقاط على الحروف وشخصت الداء، ووصفت الدواء..
وكان لها تأثيرها المباشر الذي قلما نجده في كلمات كثيرة، في مواقف مشابهة.
جاء عبدالله بن عبدالعزيز إلى هذا المؤتمر وهو يحمل هم كل عربي فتحدث عن قمة الاقتصاد، نافياً أن يكون الاقتصاد - مهما ازدهر - بديلاً عن الكرامة، فلا حياة حقيقية في ظل الهوان، وعبر عن يأس الشعوب العربية، وانكسارها، وأبان أن معظم ما لحق بالأمة من تدهور إنما جاء من تفرق الكلمة، وانشقاق العصا، وأن العلاج العاجل لجراح الأمة يكمن في الوحدة، والتكاتف وتفويت الفرص أمام الصائدين في المياه العكرة. وناشد الجميع تصفية هذه المياه كي تصل الأمة إلى قرارات مؤثرة، ومواقف صلبة يحسب لها الآخرون كل حساب.
وبشهامته ونبله أسقط الملك عبدالله كل الحواجز النفسية التي تمنع العربي من اللقاء بأخيه، فتحجب رؤيته عنه، أو تجعله يصطف في مواجهته. وبهذا الموقف النبيل تمت المصالحة بين الزعماء العرب مما يؤذن بإشراق صبح جديد على هذه الأمة المعذبة التي لعبت بها الأهواء، وتسلط عليها الأعداء. وهذه النتيجة - التي تمت بفضل الله ثم بفضل هذا القائد الشجاع - في حد ذاتها إنجاز كبير يحسب لهذه القمة، فإلى جانب ما نعلقه من آمال كبيرة على هذه المصالحة، فإن من شأن ذلك الإنجاز أن يؤدي إلى نجاح أعمال القمة الأخرى في قراراتها الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، إذ لا يتصور أن يقوم لقراراتها أي قائمة، أو تنال حظاً من التطبيق العملي ما لم تزل الحواجز النفسية بين الحكومات العربية التي سوف تقوم على تنفيذ هذه القرارات.
وبقي أن يصل صوت العقل والضمير الذي أطلقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت إلى مسامع الفرقاء في فلسطين، وهم الذين وصف الملك تأثير انشقاقهم على الأمة والقضية بأنه أكثر تأثيراً مما وقع في غزة. فلا مناص من أن ينتظم الفلسطينيون في صف واحد، متناسين خلافاتهم مهما بدت التضحية بها كبيرة، متراصين أمام العدو المشترك كي يفوتوا الفرصة على هذا الذئب الذي طالما غذى خلافاتهم واستغلها واستفاد منها.
إن المواقف التاريخية العظيمة يصنعها الرجال التاريخيون الذين يوجهون دفة الأمور بثاقب النظر، والاحتكام إلى العقل والمصلحة المشتركة، ولا شك أن أي خطر يقع على أي بلد عربي هو في الحقيقة مقدمة لوقوعه على هذا البلد الآخر. فنحن جميعا في قارب واحد، ولهذا كان التضامن والتوحد أمام هذه الأخطار المحدقة هو أول وسائل الدفاع عن هذا الوطن العربي الكبير.
لست أشك في أن كل من سمع كلمة الملك عبدالله في هذا المؤتمر قد أدرك نبل القصد، ونزاهة الدافع، والصدق النابع من القلب الذي انطوت عليه هذه الكلمة التاريخية. مما يستوجب تقدير كل متابع ودعاءه لهذا الملك المفدى بدوام الصحة والعز والتوفيق.
*عضو مجلس الشورى