Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/01/2009 G Issue 13264
الاربعاء 24 محرم 1430   العدد  13264
ومات أبي وتاج رأسي
بدر سعد الزير

 

كالعادة ومثل كل مرة وبلا مقدمات أو حتى إشعار، لا وقت له ولا ساعة أو دقيقة ولا حتى ثانية، صديق لكل الأعمار والأجناس، أولاد، بنات، شباب، حريم، شياب، عجز، (نبات، حيوان) مع الكل يمشي لم يفرق بين فلان وفلتان أو كبار أو بزران وغني و طفران، دخل كل بيت بلا استئذان ولا حتى موعد كان في الحسبان، بالأمس زارني في عمتي واليوم في أبي وقبل ذلك لابنة أخي ذات الأعوام الأربعة، إنه الموت فقد مات أبي سعد بن محمد الزير، مت يا أبي وكأنك ما ضحكت ولا حتى بكيت ولا حتى مع الشارع مشيت، رحلت دون أن توادعني، في كل مرة يا أبي كنت تدعو لي وتعلمني كما كنت دائم النصح لي.

أبي في كل غيبة كنت أنتظرك (أحتريك) على أحر من (الجمر) واليوم لا نار ولا براد وإنما حسرة وألم فراق.

لقد كنت أسمع عن الفراق فقط واليوم أتذوقه، ليس له لون ولا رائحة، طعمه مر كالعلقم، جرحه عميق ولكنه بلا أثر، ذكراه تبقى للأبد وناره تحرق وجرحه لا يبرأ، إنه الفراق نعم فراقك يا أبي، أبي بأي الألوان بعدك أرسم وبأي الكلمات بعدك أكتب وأي الأماكن بعدك ستسعني، أبي يا من لا يعادله المربون ولا بفرحه الفرحون ولا بمدحه المادحون يا صاحب القلب الكبير والوجه النضير ويا تاج راسي، لو كان للحب وسام فأنت به جدير، أبي عليك الكل يسأل، زوايا البيت، أبوابه، حوشه ومدخاله، مشراقه وحتى (معدالك)، ما أعظمك يا أبي كل هذه الأشياء عليك تسأل وكلها عليك تبكي، مسجد الحي، جيرانه، أطفاله، شيبانه، كلها تبكي، إذاً ماذا أقول عن نفسي عن أمي، أخي، أختي.

وأنتم يا أحبابي الأعزاء زميلي عبدالمجيد صدقني على الرغم من رسالتك وعلى الرغم أيضاً من قيامك بالصلاة على والدي وبالذهاب معنا للمقبرة ومشاركتنا بالدفن؟ وأنت يا عبدالرحمن أيضاً!! ولمحمد على رسالتك!!! وللزميل خالد!! ولدكتور طه؟! وللبروفسور شحاتة!! وللمهندس زاهد وللفاضل عالم وللحبيبة جميلة واللبيبة نفيسة، أقول لكم!؟ لأشكر!! نعم لأشكر على تقديمكم واجب التعزية لا وأبشركم بعد ليس لكم منه!! ولكن لكم الجبل؟!! نعم لكم جبل من الأجر من رب السماء والأرض (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين)، الله أكبر جبلان عظيمان، ونحن لا زلنا نرجي فلانا وفلتان وننتظر منه تعزية.

أحبابي الأعزاء أكتب لكم هذا ونحن في زمن لم يعد (للعذر) فيه مكان فكل شيء متوفر وكل شيء سهل إلا على (المعاق) أو المريض مرضاً عضالاً، أكتب لكم هذه المقالة ونحن في زمن (العذر) فيه أصبح أقبح من (الذنب).

وإليك يا أمي يا أعظم من في الوجود، يا مدرستي، يا من تضعف أمامها كل قواي، يا مصدر حناني ورعايتي، يا من عطاؤها بلا حدود ويا بلسم جرحي والرحمة المهداة من الرحمن ويا من علمتني أن السعادة الحقيقية في حب الله ويا من لا يعادلها ثمن ولا سلعة، أمي أعرف مدى ما تشعرين به من ألم وحزن على فقد والدي وما تركه من فراغ، ولكن البقاء في حياتك وإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبري ولتحتسبي.

ونعم أنت يا من تقرأ رسالتي وتعرف حالتي ومن لايزال أبوك على قيد الحياة يتنفس هواءها ويمشي بأرضها، لا تفوت فرصتك، فرصة جنة الدنيا ونعيمها، نعمة الأب. أنت يا من قرت بك عين أمك وأبيك وزينة حياتهما، أنت يا أمانتهما ويا من هو في أعناقهما، ماذا قدمت لهما حتى الآن، وهل تتوقع أنت تقوم بما قاموا به (أيه هين)...

قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) وقال تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

اللهم ارحم (أبي) رحمة واسعة وتغمده برحمتك، اللهم ارحمه فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم قه عذابك يوم تبعث عبادك، اللهم أنزل نورا من نورك عليه، اللهم نور له قبره ووسع مدخله وآنس وحشته، اللهم وارحم غربته وشيبته، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار, اللهم اغفر (لأبي) وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا، اللهم عبدك (سعد بن محمد الزير) إن كان محسنا فزد في حسناته وإن كان مسيئا فتجاوز اللهم عن إساءته, اللهم افتح أبواب السماء لروحه وأبواب رحمتك وأبواب جنتك أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم هذا عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم يمن كتابه، وهون حسابه، وألهمه حسن جوابه، وطيب ثراه وأكرم مثواه واجعل الجنة مستقره ومأواه، آمين.



Bdr1234@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد