Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/01/2009 G Issue 13264
الاربعاء 24 محرم 1430   العدد  13264
الرعاية اللاحقة في المؤسسات الإصلاحية
مندل عبدالله القباع

 

الرعاية اللاحقة رعاية ممتدة عبر عدة مسارات علاجية تتناول المفرج عنهم من المؤسسات الإصلاحية (الأحداث - البالغين) الفتيات بالعمل على إعادة التقبل أو التكيف الاجتماعي أو تهيئة الاستقرار الاجتماعي، حيث تستهدف الرعاية اللاحقة من خلال هذه المسارات العلاجية الوصول بخريجي المؤسسات الإصلاحية إلى خبرة الحياة السوية بعيداً عن المجال الانحرافي.

وتخضع الرعاية اللاحقة لمبدأ المردود النفعي بمعنى عدم العود إلى الفعل الانحرافي الذي يهدد أمن واستقرار المجتمع.

ولكي يتحقق هذا المبدأ يتوجب العمل مع شخص المنحرف منذ لحظة دخوله المؤسسة العقابية من خلال ما يقدم له من برامج نفسية اجتماعية ودينية ومهنية وثقافية... الخ.

وتستند الرعاية اللاحقة (الرعاية الممتدة) على عدة ركائز أهمها الوثائق الدولية التي صدرت عن مؤتمرات مكافحة الجريمة ومعاملة المذنبين تحت رعاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمنظمة الأمم المتحدة ومن أهم هذه الوثائق قواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين (جنيف 1955م)، (لندن 1960م)، وما تلاها من مؤتمرات بخاصة مؤتمرات وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، والحلقات العلمية العربية لدراسة قواعد الحد الأدنى.. وغيرها من المؤتمرات الدولية والمحلية. إلا أنها استهدفت جميعها ضرورة العمل في مجال الرعاية اللاحقة لما يحققه من توافق المفرج عنه مع نفسه ومجتمعه وبيئته، ومن رضاه عن نفسه وواقعه مما يبعث على الأمل في اندماجه مع تيار المجتمع ثانية فيحقق مزيدا من الارتياح والتوافق حتى تستمر الحياة في تواصل موجب وتحقيق إمكانات الاستقرار الآمن.

ولا سبيل لتقليل نسبة العود للانحراف (70%) إلا بترقية برامج الرعاية اللاحقة نظراً لما لها من خصائص مميزة نتذكر منها على سبيل المثال: (خاصية وجوبية) تتمثل أي أن واجب الدولة قبل المجتمع الاستمرارية في حمايته، ولا ينتهي دورها عند القبض على المنحرف وتقديمه للمحاكمة والحكم البات فيه وإيداعه الإصلاحية المناسبة، بل يتعدى ذلك إلى المعنى في متابعته فيما بعد خروجه من المؤسسة الإصلاحية لضمان عدم العود.

وخاصية تأهيلية وتتمثل في صيانة السلوك متى تم التعرف على الاتجاه المهيمن واتخاذ سبل تعديله وتعرف العوامل المسببة في الانحراف والمهيأة لارتكابه والتعامل معها بغية التأهيل والإصلاح.

وخاصية علاجية تتمثل في حق من ضبط في هوة الانحراف أن يجد الإصلاح والتأهيل والعلاج المناسبة.

وخاصية وقائية تتمثل في حق أسرة من خرج عن دائرة السلوك المرغوب فيه حمايتها من أن تلقى نفس المصير وعلاج المعتل فيها.

وخاصية رعائية تشمل البيئة الطبيعية والاجتماعية فترة تواجد عائلها في المؤسسة العقابية لحل مشكلاتها وتخطي أي صعوبات قد تعترض طريقها في الحياة.

وخاصية التواصل التفاعلي مع الأهل والأبناء لتخفيف حدة القلق الناشئ عن الانعزال أو الاغتراب عن المجتمع.

هكذا يتضح أن الرعاية اللاحقة لم تكن عملية عشوائية يمكن إسنادها لأي جهة حكومية أو أهلية لكنها عملية هادفة ومقننة وعلمية يقوم بها متخصصون في السلوكيات وعلوم النفس والتربية والاجتماع في نفس المؤسسة الإصلاحية لأن هناك علاقة مهنية مع صاحب المشكلة وأسرته، كما وأنها عملية أخلاقية تحض على كرامة الإنسان كون أنه إنسان وعلى حقه في تقرير مصيره والحفاظ على خصوصياته، وهي عملية مهارية يستخدم الممارس فيها مهاراته العالية في الوصول بالمفرج عنه إلى أقصى حالات التكيف الممكنة، وهذه المهارات تعتمد على الاستعداد الشخصي لأخصائي الرعاية اللاحقة ومستواه الأكاديمي، ومجالات تدريبه، ويتبلور هذا في ثلاث مجموعات مهارية: مهارات إدراكية يتمكن من خلالها الأخصائي تفهم شخصية المفرج عنه وفهم البيئة الاجتماعية ومكوناتها، ومهارات اتصالية ذات صلة بسلوك التفاعل والعلاقات المهنية الموجبة ومهارات تأثيرية يتم استخدامها في عملية التوجيه والإرشاد العلاجي.

إذاً الرعاية اللاحقة عملية تخصصية مؤسسية ترتبط في الأساس بتنظيم مؤسسي تحكمه لوائح ثابتة ذات أهداف مقررة ومستقرة في نظام أساسي يسمح بالتطبيق المرن والكافي.

هذا التطبيق المرن يساعد أخصائي الرعاية اللاحقة على إمكانية السيطرة على العوامل المهيئة للانحراف والتأثير في السلوك وتوضيح حقوق وواجبات المفرج عنه ومدى مسؤوليته عن نفسه وقبل بيئته الاجتماعية.

وبناء عليه كيف لنا أن نرقى بنظام الرعاية اللاحقة في مجتمعنا؟

الرأي لدينا: أن نتفق أولاً على أن الرعاية اللاحقة حق إنساني فهي ليست منة أو منحة تقدم للمفرج عنه بحيث تخضع للمنح والمنع، لكنها حق للمفرج عنه في الرعاية وامتدادها الطبيعي وهو واجب الدولة حيال أفرادها، يقوم بها متخصصون في العلاج المحيطي الشامل وتطويع أساليبها لتكون عملية تنموية تهدف الاستفادة بالقدرات المتاحة لدى المفرج عنه وتوجيهها للعمل المناسب استثماراً لهذه القدرات والإمكانات، وتوفير سبل الحياة الكريمة مع توفير الأمن النفسي ومواجهة مواقف الإحباط بنجاح مع توفير فرص التعايش السلمي والمتوافق مع متغيرات الواقع المعاصر.

وجدير بالتنويه أن أفضل أشكال الرعاية اللاحقة هو ما يتم من خلال جهاز المؤسسة الإصلاحية ذاتها، ونقطة البدء منذ دخول الشخص المؤسسة وخروجه منها حتى لا يفاجئ هو وأسرته عند بدء تطبيق برامج الرعاية اللاحقة كما هو متبع عندنا في المؤسسات الإصلاحية لأن ليس هنا علاقة مهنية بين صاحب المشكلة وأسرته وبين أخصائي الرعاية اللاحقة والله من وراء القصد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد