في مفاجأة جديدة للعالم كله وخصوصاً العالم العربي، وبكل فخر واعتزاز، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن انتهاء حقبة عداء وخلاف وصراع عربي - عربي طويلة ساهمت في اضعاف الموقف العربي السياسي والدبلوماسي التفاوضي في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتعنت والمتسلط، وأيضاً لعبت دوراً كبيراً في تفتيت القوة العربية وضياعها، وفي تهميش القدرات والإمكانات العربية وبعثرة توجهاتها وتوجيهاته، وأخيراً أدت إلى ضياع الجهود السياسية والدبلوماسية العربية وفي عجزها عن حل القضايا العربية بل والإسلامية العالقة.
هذه حقيقة أدركها الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ عقود طويلة من الزمن خصوصاً في ما بعد اعتداءات أحداث 11 سبتمبر عام 2001م وما تلاها من أحداث أمنية وسياسية وعقدية جسام أضرت بسمعة العالم العربي والإسلامي ومكنت إسرائيل من تحييد معظم نشاطات وتحركات المؤسسات الدينية والسياسية العربية، بل وحتى التعليمية الثقافية في مختلف أنحاء العالم.
لذا حرص الملك عبدالله يحفظه الله على أن يتحرك في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب هدفه النبيل المخلص أن تغدو قمة الكويت الاقتصادية قمة المصالحة العربية، قمة تفعيل الموقف العربي الموحد، قمة التقارب العربي الحقيقي الوثيق، وأخيراً قمة التضامن العربي الكامل مع سكان غزة خاصة، ودعم صمود ونضال الشعب الفسطيني عامة.
نعم لم يكن هناك من بد لأن تكون قمة الكويت قمة المصالحة العربية السياسية المصيرية وبداية فعلية للمسيرة العربية الاقتصادية العصرية الحديثة، وأن تتحرك الدول العربية في مسارها الصحيح وفقاً لمعادلتها الصحيحة التي لا ترى بداً من أن ينظر إلى السياسة والاقتصاد كوجهان لعملة واحدة لا تطغى أي منها على أهمية الأخرى تماماً كما هو حاصل في الدول المتقدمة علمياً وتقنياً واقتصادياً.
الذي لا يمكن أن تنساه الشعوب العربية أو أن تختزله أي من العقول المشككة، أو أن تكذبه بعض المرجعيات المشبوهة، أن كلمة الملك عبدالله في قمة الكويت كانت كلمة واقعية منطقية وموضوعية شخصت الداء العربي المزمن ووصفت له الدواء الناجع، فبرع في ذلك الموقف الجريء الشجاع، وأجاد في تلك الكلمة الصادقة المخلصة، كما وأصاب الهدف في ذلك التطبيب السياسي المكين لعلة عربية قاتلة طالما وقفت عائقاً كبيراً في وجه القرار السياسي العربي الجماعي، وأضاعت المسيرة العربية الصحيحة عن مسارها الصحيح، وشوهت الموقف العربي السياسي وباعدت بين دوله ضاربة عرض الحائط بحقائق المصالح العربية الأخوية والمشتركة.
المصالحة العربية - العربية، التي من المفترض أن نلمس نتائجها قريباً إن شاء الله بعد أن تتوحد مواقف الدول العربية، ستلعب دورها المباشر في تحقيق المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وتوحيد السياسة الفلسطينية وتفعيل المواقف والتوجهات الفلسطينية لجميع الفصائل الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها خصوصاً في الدول المجاورة، كما وستمكن الدول العربية من مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية ومواقف التعنت الإسرائيلي بموقف سياسي صلب وقوي لا يمكن اختراقه ولا يسمح بالتهاون أو التراخي أو تقديم المزيد من التنازلات.
نعم لقد أدرك الجميع أن تقديم العرب لسياسة الجزرة بمفردها لإسرائيل فشلت في اقناعها باهمية اعتناق مبدأ السلام الشامل العادل للجميع في المنطقة، وكانت الفرقة العربية والخلافات العربية في ذلك الوقت لا تسمح بأكثر من اللجوء إلى تقديم سياسة الجزرة باليد اليسرى لإسرائيل مبعدة أو مستبعدة القدرة على رفع سياسة العصا في اليد اليمنى.
لذا فإن انتهاء الخلاف العربي - العربي يعني قدرة العرب على استخدام سياسة العصا والجزرة كوسيلة لإرغام إسرائيل على وقف عدوانها العسكري الوحشي المتكرر على الشعب الفلسطيني، الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه الشرعية المسلوبة.
التفاؤل مطلوب في هذا الوقت بالذات بعد أن صفت (بفضل من الله ثم بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز) الأجواء السياسية العربية وامطرت خيراتها على شعوب الدول العربية وعلى قضايا العرب في المنطقة، وأيضاً ستصل تلك الخيرات لتصل إلى جميع قضايا الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم بعد أن وظفت إسرائيل ومن يدعمها ويؤيدها تهم الإرهاب ضد المسلمين لتضعفهم وتشتت شملهم وتفتح المجال واسعاً أمام زعامات الضلال والتفرقة وجماعات وتنظيمات العنف والإرهاب في تحقيق أهدافهم ومصالحهم التي لا يمكن أن تتحقق إلا بعد أن تقتات من عذاب وآلام وضعف وتفرقة المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها ومن شمالها وإلى أقاصي جنوبها.
drwahid@email.com