الكويت - موفد «الجزيرة» - فهد العجلان
في تحول ينبئ عن فصل مسار التنمية في البلدان العربية عن السياسة بتحوله إلى الاقتصاد، أعلن أمس في ختام القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة) إعلان الكويت الذي يمثل خطوة الألف ميل في السباق العربي التنموي.
ويأتي إعلان الكويت الذي يستهدف تحقيق التكامل الاقتصادي في عالم التكتلات الكبرى بمبادرة عربية تستهدف تعزيز الأمن الاقتصادي العربي، غير أن الحضور الطاغي للاقتصاد لم يصد العرب عن همهم السياسي وآلام إخوانهم في غزة.
وأكد إعلان الكويت في القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية على الصلات الوثيقة والأهداف المشتركة التي تربط الوطن العربي والعمل على توطيدها وتدعيمها وتوجيهها إلى ما فيه تنمية المجتمعات العربية قاطبةً وإصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها.
وقال الإعلان الذي تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إن قادة الدول العربية المجتمعين في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية بدولة الكويت، اجتمعوا (من منطلق فكر اقتصادي تنموي عربي عصري وجديد، والتزاماً بما ورد في ميثاق جامعة الدول العربية وما أبرم في إطار الجامعة من اتفاقات ومواثيق وما اعتمد من استراتيجيات).
وأشاد الإعلان بالمبادرة الكويتية - المصرية التي أكدت على العلاقة بين الأمن والسلم الاجتماعي العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تم تفعيلها بصدور قراري قمة الرياض 2007 وقمة دمشق 2008 بعد قمة تخصص لدفع عجلة التنمية في العالم العربي.
وبين الإعلان أنه تم اتخاذ القرارات اللازمة التي تضمن الارتقاء بمستوى معيشة المواطن العربي وإعطاء الأولوية للاستثمارات العربية المشتركة وإفساح المجال للقطاع الخاص والمجتمع المدني للمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد الإعلان ضرورة تدعيم مشروعات البنية الأساسية وتنمية قطاعات الإنتاج والتجارة والخدمات والمشروعات الاجتماعية وحماية البيئة، إضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي ومخطط الربط البري العربي وبرامج الأمن المائي والغذائي بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي العربي.
وشدد الإعلان على اعتبار التنمية الاجتماعية، بكل عناصرها وعلى رأسها التعليم والتنمية البشرية، عاملين أساسيين في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. وأضاف: (إننا إذ نراقب التقدم الذي حققته العديد من الدول العربية في معدلات التنمية البشرية، وعلى الأخص في مجال التعليم وتحسين الخدمات الصحية ومكافحة الفقر والأمية، وإذ نتابع التقدم في التنمية الاقتصادية، وخصوصاً في إنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وما حققته التجمعات الاقتصادية والإقليمية العربية والتقدم في جهود التعاون الدولي والتجمعات الدولية، ونظراً إلى ما للأزمة المالية العالمية من تداعيات وتشعبات؛ فقد تداعت العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية والمؤسسات المالية والدولية لإيجاد الحلول المناسبة لها والحد من تفاقم أضرارها؛ مما يوجب علينا سياسات نقدية ومالية تعزز قدرة الدول العربية على مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية والمشاركة الفعالة في الجهود الدولية لضمان الاستقرار المالي العالمي وتفعيل دور المؤسسات المالية العربية لزيادة الاستثمارات العربية البينية ودعم الاقتصاد الحقيقي للدول العربية.
وأشاد القادة بالمبادرة التنموية الرائدة التي أعلن عنها حضرة صاحب السمو أمير البلاد والتي أعلن عنها في القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتي تهدف إلى توفير الموارد المالية اللازمة لدعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة برأسمال قدره مليارا دولار. كما أشاد القادة بمساهمة دولة الكويت برأسمال هذه المبادرة البالغ 500 مليون دولار. كما تقرر انتظام عقد اجتماعات القمة الاقتصادية بشكل دوري كل عامين.
وتحقيقاً لآلية المتابعة في تنفيذ قرارات القمة وبرنامج العمل وما ورد في الإعلان كلف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية لمتابعة ذلك وتقديم تقارير متابعة حول التقدم المحرز في التنفيذ بشكل دوري إلى القمم العربية.
وذكر الإعلان أنه على الرغم من الإنجازات المحققة فلا يزال الوطن العربي يواجه تحديات محلية ودولية تمس أمن وسلامة واستقلال دوله وسلمه الاجتماعي، ومنها على المستوى المحلي الفقر والبطالة وتواضع مستوى المعيشة وتدني معدلات التجارة والاستثمارات البينية وهجرة الأموال والكفاءات العربية إلى الخارج وضعف البنية التحتية ومستوى التعليم وعدم مواكبة المخرجات التعليمية لمتطلبات التنمية والمنافسة العالمية. وقال الإعلان إن من التحديات كذلك مشكلات الأمن الغذائي والمائي والتغير المناخي والطاقة وعدم الاستخدام الأمثل للموارد.
وعلى المستوى الدولي قال الإعلان إنه نظراً لضخامة حجم الأزمة المالية العالمية وتشعباتها واضطراب الأسواق المالية العالمية وخطر الركود والانكماش الاقتصادي وتأثيراته السلبية على عملية التنمية فقد تداعت العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية والمؤسسات المالية الدولية لإيجاد الحلول المناسبة لها والحد من تفاقم أضرارها بما في ذلك الجهود التي بذلت من جانب الدول العربية.
واتفق القادة على مضاعفة الجهود لتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي باعتباره هدفاً أساسياً تسعى لتحقيقه كل الدول العربية وركيزة أساسية لدفع العمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية بما يحقق تطلعات الشعوب العربية ويجعلها أكثر قدرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي والتعامل مع التجمعات السياسية والاقتصادية الدولية.
وفيما يخص الأزمة المالية العالمية نوّه الإعلان إلى اتفاق القادة على اتباع سياسات نقدية ومالية تعزز قدرة الدول العربية على مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية والمشاركة الفاعلة في الجهود الدولية لضمان الاستقرار المالي العالمي وتفعيل دور المؤسسات المالية العربية لزيادة الاستثمارات العربية البينية ودعم الاقتصاد الحقيقي للدول العربية.
وأكد الإعلان ضرورة التوجيه لتشجيع الاستثمارات العربية البينية وتوفير المناخ الملائم والحماية اللازمة لها وتسهيل حركة رؤوس الأموال العربية بين أقطار الوطن العربي وتوسيع نطاق وآليات تنفيذ الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية.
كما أكَّد الإعلان كذلك ضرورة التوجيه بتعزيز دور الصناديق والمؤسسات المالية العربية المشتركة والوطنية وتطوير مواردها وتسهيل شروط منح قروضها وتطوير آلياتها ونوافذها لتمويل مشروعات البنية الأساسية لتتمكن من المساهمة في تمويل مشاريع التكامل الاقتصادي العربي بالاشتراك مع القطاع الخاص وتوفير التسهيلات الائتمانية للمشاريع.
وفيما يتعلق بالإحصاء أكَّد الإعلان ضرورة توفير البيانات والمؤشرات الإحصائية الدقيقة والضرورية لعمليات التخطيط ورسم السياسات واتخاذ القرارات المناسبة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير وتعزيز قدرات أجهزتها الإحصائية.
وحول القطاع الخاص شدد الإعلان على توفير المقومات الاقتصادية والبيئة القانونية الملائمة لعمل القطاع الخاص وإزالة العقبات التي تحد من ممارسة دوره الفاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية وتعزيز دوره في بناء التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي وتسهيل انتقال الأفراد ولا سيما رجال الأعمال وإزالة أي عقبات تعترض انتقال رأس المال العربي بين الدول العربية.
وأكد الإعلان العمل على رفع القدرات البشرية للمواطن العربي ضمن جهود بلوغ الأهداف التنموية للألفية عام 2015 ومجموعة الأهداف المتفق عليها دولياً للحد من الفقر وتوسيع نطاق تمكين المرأة والشباب وتوسيع فرص العمل أمامهم والنهوض بالصحة والتعليم وزيادة الدخول الحقيقية.
وأما فيما يتعلق بالتعليم والبحث العلمي فنوه الإعلان إلى تطوير التربية والتعليم لمواكبة التطورات المتسارعة في العلم والتقنية والارتقاء بالمؤسسات التعليمية وتأهيلها بما يكفل أداء رسالتها بكفاءة وفاعلية واقتدار ودعم تنفيذ خطوة تطوير التعليم والبحث العلمي المعتمدة من قمتي الخرطوم 2006 ودمشق 2008م.
وأشار الإعلان إلى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي ودعم ميزانيته وتيسير الوصول إلى المعرفة وتوثيق الصلة بين مراكز البحوث العربية وتوطين التقنية الحديثة وتشجيع ورعاية الباحثين والعلماء والاستفادة منهم.
ويرى الإعلان في الخدمات الصحية ضرورة تحقيق التوسع في مشروعات الرعاية الصحية الأساسية في الدول العربية وتفعيل دور المؤسسات الصحية العربية المشتركة لرفع مستوى الخدمات الصحية وتقديمها بصورة ملائمة للمواطن العربي وإيلاء العناية بالأمراض غير المعدية، وعلى نحو خاص مكافحة داء السكري، والاهتمام بإنتاج الدواء والمواد الفعالة وتيسير إجراءات تسجيلها بما يحقق الأمن الدوائي العربي.
وأكد الإعلان أهمية رفع العنصر البشري باعتباره الثروة الأساسية ورفع مستوى التعليم وربطه باحتياجات التنمية ودعم برامج التأهيل والتدريب والتشغيل للعمالة بما يحد من البطالة في الاقتصادات العربية ورفع كفاءة وإنتاجية القوى العاملة العربية لتفي بمتطلبات أسواق العمل العربية وتوفير مزيد من فرص العمل في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وحول قضايا المرأة أكَّد الإعلان أهمية تمكين المرأة والارتقاء بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وتعزيز دورها في الحياة العامة تحقيقاً لمبدأ المساواة وتأكيداً لمبادئ العدل والإنصاف في المجتمع.
وأضاف الإعلان ضرورة التوجيه بوضع الإمكانات اللازمة للنهوض بالشباب العربي وتمكينه وتثقيفه ليصبح مؤهلاً لاستكمال مسيرة التنمية وتفعيل مشاركته في مشاريع التنمية.
وأكد الإعلان ضمان حقوق المهاجرين والاهتمام بالكفاءات العربية المهاجرة خارج الوطن العربي وتقوية صلتها بالوطن والعمل على توفير بيئة مناسبة لتوطين وإنتاج المعرفة بما يعزز الاستفادة من هذه الكفاءات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالدول العربية.
وأكد الإعلان ضرورة الاهتمام بالإسكان في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية وتعزيز ودعم الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل في إطار برنامج شامل للاستثمار العقاري في المنطقة العربية ومن ذلك توفير السكن الاجتماعي منخفض التكاليف لذوي الدخل المحدود.
وفي مجال التنمية الزراعية والأمن الغذائي دعا الإعلان إلى العمل على زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين معدلاته وتشجيع الاستثمار في التنمية الزراعية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير المناخ الاستثماري الملائم لذلك وسرعة تنفيذ استراتيجية التنمية الزراعية التي أقرتها قمة الرياض 2007 للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي باعتبارهما من أولويات الأمن القومي العربي.
وحول التنمية الصناعية أكَّد الإعلان ضرورة تحقيق التكامل والتنسيق وتنويع الإنتاج الصناعي وتدعيم قاعدته الإنتاجية والإسراع في تنفيذ استراتيجية التنمية الصناعية التي تم إقرارها بقمة الجزائر عام 2005م.
ودعا الإعلان إلى التوجيه الفوري إلى إزالة العقبات التي لا تزال تعترض التطبيق الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية 2010 تمهيداً لإقامة الاتحاد الجمركي العربي في موعد مستهدف عام 2015 كخطوة أساسية للوصول إلى تحقيق السوق العربية المشتركة في أفق زمني مستهدف عام 2020 إلى جانب تسريع تحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية نظراً للدور المهم الذي يلعبه هذا القطاع في التنمية الاقتصادية.
وأكد الإعلان تحرير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات تعزيزاً للقدرة التنافسية لشركات الاتصالات وتقنية المعلومات العربية وتنمية الأطر التشريعية التي تغطي جوانب هذا القطاع وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فيه.
وحث على وضع استراتيجيات وطنية لحماية الملكية الفكرية وتطوير تشريعاتها بما يتوافق أيضاً مع الالتزامات الدولية وتعزيز نظم حماية الملكية الفكرية لضمان التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع.
وركز الإعلان على سياسات التنمية السياحية العربية وعلى الاستثمار الأمثل لما يمتلكه الوطن العربي من مقومات سياحية ومنها الثروات الطبيعية والثقافية والتاريخية وذلك من خلال توفير البنية الأساسية اللازمة المشجعة على السياحة والاستثمار مع مراعاة معايير التنمية السياحية المستدامة وتطوير المشروعات السياحية باعتبارها إحدى وسائل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية.
وطالب بتعزيز التعاون العربي في مجال الطاقة ولا سيما تحسين كفاءتها وترشيد استخدامها كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز شبكات الربط الكهربائي العربي القائمة وتقويتها وإنشاء سوق عربية للطاقة الكهربائية وكذلك تعزيز شبكات الغاز الطبيعي وتوسيعها وزيادة مشاركة القطاع الخاص في استثماراتها وإدارتها وتوسيع استخدام تقنيات الطاقة المتجددة والطاقة النووية للأغراض السلمية في عمليات الإنتاج.
وفيما يتعلق بالنقل أكَّد إعلان الكويت السعي لتحقيق ربط شبكات النقل البري والبحري والجوي فيما بين الدول العربية باعتبارها شرايين أساسية لحركة التجارة والسياحة والاستثمار والعمالة داخل المنطقة العربية مع ربطها مع محيطها الإقليمي والسعي لرفع مستوى تنافسية مرافق النقل العربية من خلال التوجه إلى سياسات تحرير خدمات النقل فيما بين الدول العربية وعلى الأخص في تنفيذ برنامج فتح الأجواء بينها وكذلك من خلال تطوير الأطر التنظيمية بهدف جذب حصة أكبر من حركة النقل العالمية مستفيدين من الموقع الجغرافي المتميز للمنطقة العربية.
ووجه الإعلان باتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية والاستخدام الأمثل لها لتحقيق التنمية المستدامة واعتبار ذلك ركناً أساسياً في جميع المجالات التنموية الاقتصادية والاجتماعية لتحسين نوعية حياة المواطن والعمل على الحد من أثر التغيرات المناخية وتداعياتها على المجتمعات العربية.
وطالب الإعلان بوضع استراتيجية عربية لتحقيق الأمن المائي العربي والتحرك على المستويين الوطني والعربي لمواجهة العجز المائي باعتبار ندرة المياه أحد التحديات الكبرى.
وأكد الإعلان أهمية دور المجتمع المدني في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير التسهيلات لتشجيع قيام مؤسسات المجتمع المدني بهذا الدور وتعزيز التعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني.
ودعا الإعلان إلى تعزيز التعاون العربي الدولي وتعزيز دور الدول العربية في المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية وتعزيز وتدعيم جامعة الدول العربية ومؤسساتها من أجل القيام بالمهام المنوطة بها لتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي وتمكينها من متابعة تنفيذ القرارات التي تصدر عن القمم العربية والمجالس الوزارية للجامعة.
وتوجه القادة بالشكر إلى دولة الكويت حكومةً وشعباً وإلى صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على استضافة المؤتمر وإدارته الحكيمة لجلساته. وأعربوا عن اعتزازهم بالجهود المتصلة والمشاورات المكثفة التي قامت بها جامعة الدول العربية وأجهزتها للتحضير وتوفير عوامل نجاح هذه القمة.