مع تعالي صراخ وآهات الأهل في غزة، وتزايد الآلام وتضاعف أعداد الشهداء واتساع مساحة الدمار في قطاع الصمود ورباط المجاهدين في غزة هاشم، اتسعت مساحات الإحباط في وطننا العربي وخيم اليأس على كل البلدان العربية، ولم تجد الجماهير العربية مخرجاً للحالة المزرية للأمة العربية سوى الخطب المطولة والتنظير الذي لا طائل منه، وقد زاد من قنوط العرب جميعاً تداعي كل القمم والاجتماعات العربية التي لم تحمل للعرب سوى المزيد من الفرقة، ولهذا كان الجميع ينتظر فشلاً مكرراً لقمة الكويت الاقتصادية والانمائية والاجتماعية، وأنها ستضيف تراكماً للفشل العربي.
الجميع كان ينتظر أن يترك القادة العرب الكويت، وهم يحملون هما آخر يضاف إلى مجمل الهموم العربية.
عشية بدء القمة في الكويت بكَّر القادة بالوصول، كانت الوجوه عابسة، وكأن القادمين مرغمون على الحضور لتأدية واجب ثقيل.
وظل الحال كذلك مع بدء القمة وتوالي الخطب، حتى جاء موعد الفرج على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يؤكد ويثبت من جديد، وكدأبه في المواقف الحرجة وفي النائبات أن للأمة رجالا وللمواقف قادة يعرفون كيف يقودون الأمة ويقومون الاعوجاج ويصححون الأخطاء.
وهذا ما فعله (الفارس العربي عبد الله بن عبد العزيز)، فعندما تحدث أمام القادة العرب لم يستغل الموقف للدفاع عن أخطاء أو تبرير مواقف أو اجتهادات لم تحقق المأمول.. بكلمات موجزة مفعمة بالإخلاص والصدق والمواقف المثمرة، أعاد للقمة اتزانها، وزرع الأمل من جديد وبدد الإحباط، موجهاً إخوانه القادة لإنجاز ما ينفع الأمة ويبعد الضرر، بإيجاز وكلام مختصر مفيد، حلل الخلل وقدم العلاج، من خلال ثلاثة محاور تحولت إلى (خريطة طريق) انتشلت القمة من الفشل وأزالت الإحباط واليأس اللذين كانا يخيمان على القادة داخل القمة وعلى الأمة العربية خارجها.
المحور الأول: التصدي للخلافات العربية التي أوصلت الأمة إلى وضع كاد يدمرها ويقضي على هويتها ويشتت أقطارها وأبناءها، وبأريحية وبأخلاق الفرسان العرب الذين يندر أن نجدهم في هذا العصر، بدأ خادم الحرمين الشريفين بنفسه متعالياً على جراح التشكيك والتخوين، معلناً أن الجميع مخطئ مناشدا القادة وبادئا بنفسه (رعاه الله) بأن يكونوا أكبر من الجراح وأن يسموا على خلافاتهم.. بهذه الصراحة والشفافية فرض الملك عبد الله بن عبد العزيز المصالحة العربية الشاملة التي بدونها لا يمكن أن يحقق العرب أي شيء.
كانت مفاجأة.. ولكنها مفاجأة سارة أحدثت التغيير الذي كان يتطلبه الموقف، وكانت الاستجابة سريعة وعفوية من قبل القادة الذين يعرفون أن عبد الله يعني ما يقول وينفذ قبل الآخرين ولا يخفي شيئا، ولذلك فقد توافد القادة إلى مقر إقامته لتأكيد المناخ العربي الجديد.. وهذا يعد أهم إنجازات القمة.
المحور الثاني: وهو تحديد المدى الذي يمكن أن يصل إليه العرب في اعتماد السلام كخيار استراتيجي، فبدون طرف مقابل من الإسرائيليين يؤمن بالسلام لا يمكن أن يستمر العرب في تقديم مبادرات السلام دون تجاوب الإسرائيليين جدياً مع هذه المبادرات، ودون أن تجبرهم القوى الدولية على التفاعل مع هذه المبادرة، فضلا عن تشجيعهم على ارتكاب العدوان.
المحور الثالث: مشاركة الإخوة الفلسطينيين آلامهم ومقاسمتهم العيش والتنمية وإعادة البناء، فجاء تقديم شعب المملكة تبرعا أعلنه خادم الحرمين الشريفين بلغ مليار دولار، ليشكل القاطرة التي سحبت معها الاخوة العرب الذين حتماً ستتجاوز تبرعاتهم ما كان متوقعاً، حيث كانت التوقعات تشير إلى مليارين ونصف المليار.
وهكذا يكون فارس العرب.. يظهر في الوقت المناسب.. ويعالج جراح الأمة ويعيد الأمل لأبنائها من خلال فعل صعد بالقمة إلى آفاق جديدة، ستعيد الفعل للعمل العربي المشترك وتقطع الطريق لأي تدخل من خارج حدود الأمة.
jaser@al-jazirah.com.sa