كانت المكتبات على اتساع الأرض وفي مدار التاريخ، تسعى إلى محو الأمية حسب طبيعة الحقبة الزمنية والظروف في ذلك العصر، وامتد هذا الدور في العصر الحديث لكنه في نكهة أخرى وهو محو الأمية المعلوماتية، حيث فرض العصر نوعاً جديداً من العلوم التكنولوجية .. هذا الدور الحديث توازى مع الدور الريادي التاريخي لمخطوطات الكتب وأمهات الكتب لمشايخنا وعلمائنا قي تلك الحقبة من الزمن، حيث عاصروا محو الأمية الألفبائية كما يسميها بعض الباحثين أو ما تسمى الأمية الأبجدية، حيث بروزوا التراث ودلالاته الواسعة التي تعني كافة ما ترك لنا لسابقون من علوم ومعارف ومبان وعمائر وفنون وكتب ومخطوطات، وهو ما يشار إليه بأنه التراث الفكري الذي تراكم عبر القرون من الحضارة الإسلامية التي هي واحدة من أطول الحضارات عمراً في تاريخ الإنسانية، من حيث تواصلها بلا انقطاع خلال قرون طويلة من الزمن، وهذا لتراث الفكري بقيمه وأدواته وثقافته هو الامتداد الساري في جسد الأمة. والمحافظة على المكتبات والمخطوطات ستظل دائماً كما كانت عامل وحدة وتكاتف وأتلاف لأن المكتبات هي الحصون التي تحمي كنوز الثقافة لزمن طويل عبر اللغة وآدابها.
وقد شكّل تاريخ المكتبات جانباً مهماً ومضيئاً في الحضارة الإنسانية وتاريخها، وقد أسهمت في نقل وحفظ التراث الإنساني إلى الأمم والأجيال المتعاقبة، وكان مقياس الأمم وحضارتها بقدر اهتمامها بالمكتبات وانتشارها، وقد كانت في البداية لحفظ وسائط الكتابة الأولى من الألواح الخشبية والطينية وأوراق البردي.
وقد كان ظهور المكتبات مرتبطاً بازدهار الكتابة في مناطق الحضارات القديمة (كبابل .. وسومر مصر القديمة واليونان)، ويرجح أن تكون أولى المكتبات ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، وليس من السهل تحديد الزمان الذي ظهرت به المكتبات، ولكن ما كشف عنه التاريخ الإنساني حتى الآن وأكدته الحفريات الأثرية يدل على أن أول المكتبات قد ظهرت في العالم العربي وبالتحديد في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل، والسومريون سموا المكتبات بيت اللوحات الكبيرة لأنها كانت مليئة باللوحات الطينية، أما الفراعنة فأطلقوا عليها قاعة كتابات مصر ومكان إنعاش الروح، وحفظ التراث ووصوله إلينا كان بفعل الحرص على التدوين والكتابة باليد وهي ما تسمى المخطوطات التي بقيت من تلك العصور إلى يومنا هذا، سواءً من خلال مؤلفها أو أحد تلاميذه فكان لها الفضل الكبير في حفظ ذاكرة الأمة وتدوين عوالم تراثها وملامح ثقافتها وصور حضارتها.
وقد عرفت المكتبات عبر العصور بأسماء عديدة منها خزانة الكتب .. وبيت الحكمة .. ودار العلم .. ودار الكتب. واختراع الكتابة يعتبر أعظم اختراع في تاريخ الإنسانية، ويمكن اعتبار ظهور الكتابة بداية عهد جديد لأنها هيأت للإنسان إمكانية تسجيل المعرفة والأفكار والعلوم والمعارف، وبالتالي نقلها إلى الأجيال القادمة، ولم يكن يصلنا تراث الأمة لولا الكتابة وبها يتم التواصل بين الناس ويتم تدوين ما يجري من أحداث وتخزين عصارة تجارب الإنسان وتفاعلاته.
ويشكل تاريخ المكتبات في الإسلام جزءاً مهما من تاريخ الحضارة العربية والإسلامية والمعروف أن العرب لم يعرفوا الكتب قبل مجيء الإسلام ولهذا كان القرآن الكريم (كتاب الله) فتحاً جديداً ليس في تاريخ العقيدة الإسلامية فحسب، بل في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وقد كرم الله في محكم آياته العلم والعلماء والكتاب والقلم قال تعالى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
واهتم الإسلام بالكتابة، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}.
وتعتبر المكتبات خزائن الكتب الإسلامية من أهم المؤسسات الثقافية التي تفخر بها الحضارة العربية والإسلامية، حيث أنها قامت بدور كبير في نشر العلوم والمعارف بين المسلمين، ولقد تعدى تأثيرها المسلمين أنفسهم وانتقلت آثارها المختلفة إلى أوروبا في عصورها المظلمة.
ولا ننسى حركة الوراقين وهي المظهر الآخر من مظاهر الثقافة العربية والإسلامية، ولئن أغفل المؤرخون أخبار هذه الحركة ولم يهتموا بها، فإن فضل الوراقين لا يمكن إنكاره لأن ملايين المخطوطات العربية التي ملأت مكتبات بغداد والبصرة ودمشق وقرطبة وبخارى والقاهرة واستانبول، وغيرها من المدن الإسلامية قبل اختراع الطباعة، تشهد لهؤلاء الوراقين بهذا الفضل مثل (ابن النديم وياقوت الحموي).
والمخطوطات تعنى المكتوب باليد في أي نوع من أنواع الأدب، سواء كان ورقاً أو على مادة أخرى كالجلد أو الألواح الطينية القديمة والحجارة. ويرجع أقدم المخطوطات في العالم إلى 3500 سنه قبل الميلاد، وكانت عبارة عن لفائف من ورق البردى.
وساهمت المخطوطات في نقل التراث العلمي والفلسفي اليوناني إلى اللغة العربية، وتقديم إضافات جديدة عن التطورات والاكتشافات والاختراعات التي لم تكن الحضارات الأخرى تعرفها، وقد امتدت إلى العلوم الفيزيائية والبصريات والعلوم الرياضية والهندسية والطبية. ومن أعلام هذه العلوم (جابر بن حيان وابن الهيثم والرازي وابن سيناء وابن رشد وغيرهم كثير). وتجاوزت المخطوطات إلى موضوعات أخرى في الجغرافيا والرحلات والاكتشافات الجغرافية ومجالات الشعر والفنون والموسيقى.
والمكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية هي جزء من الصورة التي سادت المجتمعات الإسلامية بعامة والعربية على وجه الخصوص، إذ استأثرت المدن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبخاصة الحرمان الشريفان، حيث بقيا طوال التاريخ الإسلامي وسيظلان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مراكز إشعاع واستقطاب لكل الباحثين والدارسين، وكذلك في المناطق السعودية الأخرى حرص مشايخها وعلماؤها على إقامة المكتبات الخاصة التي تزخر بأمهات الكتب والمخطوطات، وتم وقفها لطلاب العلم والباحثين وهو ما يعد مظهراً من مظاهر التطور الثقافي لدى سكان المملكة عنايتهم الفائقة بالكتب واقتنائها.
والوقف في الإسلام نوع من أنواع الترابط والتكافل الاجتماعي وربط السلف بالخلف، وخدمة طلاب العلم والعلماء وإعمار المساجد والبر بين المسلمين. وقد ساهمت أموال الموقفين جزاهم الله خيراً على تنمية تلك المكتبات التي تركها أصحابها وقفاً لله تعالى لطلاب العلم والباحثين، فقد ورد عن المصطفي عليه أفضل الصلاة والسلام قوله (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
ومنطقة حائل كغيرها من مناطق المملكة درج أبناء المنطقة بالاهتمام بالمكتبات الخاصة والتسابق في اقتناء وجمع أكبر عدد من الكتب حتى إن أحدهم أصبح لديه مكتبة عظيمه تضم أكثر من عشرة آلاف كتاب وهو الشيخ عيسى المهوس - رحمه الله -. وغيره من المشايخ والعلماء في عصره في منطقة حائل، سنستعرض مكتباتهم الخاصة الآن.
ولكن قبل هذا لماذا نلاحظ أن هناك غياباً تاماً من قبل دور النشر أو جهات الاختصاص الأخرى عن تراث السلف القديم وترميمه ومعالجة المخطوطات القديمة القيمة .. لماذا لا تتجه الجامعات السعودية في تبنّي هذا الإرث الثقافي الكبير وترميمه ومعالجة نصوصه التي تحمل المبادئ السامية والمخزون التاريخي والثقافي والتربوي، وتقديمه للمتلقي برؤية عصرية وفق وسائط تكنولوجية وأدوات جديدة للباحث والدارس والقارئ، لنحافظ على هذا الإرث المركون على الرفوف، وإعادة إصدار أمهات الكتب العربية القديمة المفقودة من المكتبات، وطرحها بالسوق بأسلوب عصري حديث، لننهل من هذا المعين الصافي من تراث السلف.
مكتبة اليعقوب
أنشأها الشيخ محمد بن سعد والد الشيخ يعقوب - رحمهم الله - وأهديت هذه المكتبة إلى المعهد العلمي بحائل. ويذكر العثيمين أن من بين الكتب التي حوتها تلك المكتبة كتاب (مختصر الجامع الصغير).
مكتبة الشيخ عوض الحجي
أنشأها الشيخ عوض الحجي - رحمه الله - الذي كان له اعتناء بجمع الكتب وانتقل جزء كبير من محتويات المكتبة إلى مكتبة الشيخ على الصالح - رحمه الله - قريب الشيخ الحجي.
مكتبة الشيخ سالم الحجي
أنشأها الشيخ سالم الحجي - رحمه الله - وكان شغوفاً بجمع الكتب.
مكتبة العطية
أنشأها الشيخ عطية السليمان - رحمه الله - وورثها عنه ابنه الشيخ سليمان العطية - رحمه الله - وكانت تضم أمهات الكتب.
مكتبة الشيخ حسن الحجي
أنشأها الشيخ حسن الحجي - رحمه الله - وكان مولعاً بالكتب.
مكتبة الشيخ المهوس
وهذه من أكبر المكتبات بحائل أنشأها الشيخ عيسى المهوس - رحمه الله - وكانت تضم أكثر من (عشرة آلاف كتاب) وانتقلت إلى الشيخ عبد الله بن بليهد، وتضم العديد من المراجع في فنون العلم والمعرفة.
مكتبة الصالح
أنشأها الشيخ صالح السالم - رحمه الله - وورثها عنه وزاد فيها الشيخ على الصالح - رحمه الله - وهي من أشهر المكتبات في حائل، وتضم أمهات الكتب والمخطوطات النادرة، ومما حوته هذه المكتبة تفسير الإمام محمد بن جرير الطبري مخطوط سنة 1311 هجرية .. بعض أجزائه بخط الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الشيخ وبعضها بخط الشيخ سليمان بن سمحان وبعضها بخط الشيخ عبد العزيز بن صالح الصرامي، وهذه هي النسخة الوحيدة التي طبع عنها تفسير ابن جرير وتضم العديد من الكتب الأخرى.
مكتبة الشيخ حمود الحسين الشغدلي
أنشأها الشيخ حمود الحسين الشغدلي - رحمه الله - قاضي المنطقة وأحد علمائها الأجلاء وهي من أكبر المكتبات بالمنطقة تحتوي على أمهات الكتب وتضم العديد من المخطوطات الرائعة وفتحها أبناؤه للمطلعين والباحثين والدارسين في حي لبدة، ولا يتسع المجال لذكر ما تحويه المكتبة من كتب قيمة ومخطوطات، وقد كتب عنها ابنه الأستاذ عبد الرزاق حمود الشغدلي في إصداره حديث الوثائق.
مكتبة العريفي
أنشأها الشيخ عبد العزيز بن سليمان العريفي - رحمه الله - قبل أكثر من مائة عام في مدينة حائل وكان - رحمه الله - له عناية واحتفاء بالكتب وأوقف عدداً منها على الشيخ صالح السالم - رحمه الله - وما تزال محفوظة في مكتبته الخاصة بحائل. ومن أبرز المخطوطات النادرة في مكتبة العريفي كتاب (كشاف القناع عن متن الإقناع) بخط مصنفه الشيخ منصور بن يونس البهوتي المتوفى سنة 1051 هجرية.
وقد ورث محتويات المكتبة ابنه الشيخ على بن عبد العزيز العريفي - رحمه الله - والد الشيخ فهد العلي العريفي - رحمه الله - الذي كانت تراوده فكرة فتح المكتبة للدارسين والباحثين في مدينة حائل وقد حقق له ابنه الأستاذ احمد الفهد العريفي هذا الحلم وفتح مكتبة فهد العريفي في احد أحياء حائل. وتحتوي المكتبة على أمهات الكتب والمخطوطات. ويقول الأستاذ احمد مؤسس المكتبة تضم مكتبة فهد العريفي كتباً مطبوعة وصور مخطوطات وصور وثائق مختارة وتسجيلات صوتية وصوراً فوتوغرافية لحائل ورجالاتها، وستكون المكتبة قاعدة معلومات عن مدينة حائل في هذا العهد الزاهر تخدم الباحثين من أبناء المنطقة وغيرهم.
ومن مظاهر العناية بالكتب والمخطوطات وجود النساخ من أبناء حائل في ذلك العهد، حيث قاموا بنسخ الوثائق القديمة والكتب والمخطوطات. وذكر (الهندي) أن من أبرز النساخين في حائل الشيخ سالم الشلش الذي كان خطاطاً وكتب بقلمه كتباً كثيرة.
والشيخ شكر الحسين الذي كان خطه حسناً وكتب (اللمدهش) لابن الجوزي مشكلاً وكتب آداب المشي إلى الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ ناصر الهويد الذي كان حسن الخط وكتب بقلمه لكثير من الرسائل للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ علي الأحمد الذي كان خطه جميلا وكتب (المدهش) بقلم قصب لا يتجاوز طوله أصبع اليد، ومن المهام التي كان النساخ يقومون بها نسخ الوثائق القديمة ومن أبرز من كان يقوم بها الشيخ عوض الحجي والشيخ علي الصالح - رحمهم الله -.
علي بن حمود العريفي
Hailart2002@hotmail.c0m