مشهد النادي الأدبي المترمد في الجوف ينخرط في مشاهد الدمار التي تحتل الفضاء البصري لدينا في العالم العربي وتحديداً في غزة، وتندرج مسبباته أيضاً في نفس الخانات التي تترصد بالإنسان العربي وغده ومشروعه الحضاري.
|
نفس القوى المتوحشة البدائية التي ترفض أن يكون لمجتمعات هذا المكان حيز بين شعوب العالم، حيز تحقق من خلاله أبجديات الكرامة الإنسانية المتمثلة في أبسط الحقوق كحقه في العيش والتعبير بحرية وسلام.
|
فإذا ثبت البُعد الجنائي في حادثة إحراق نادي الجوف فهو بالتأكيد يحيلنا إلى أحد الأشداق التي تريد أن تلتهم أي ضوء تنويري يكابد طريقه وسط عواصف الرمل.
|
المحتل الصهيوني يريد أن يزوّر هوية المكان ويطمس تفاصيل تاريخه عبر التصفية الجسدية والروحية، ومن أحرق النادي الأدبي في الجوف هو أيضاً نتاج فكر مستبد يريد أن يختطف هذا المكان من تاريخه الذي تنهض أركانه بالشعر والقصائد ويرقد تراثه بين دفتي ديوان شعري.
|
التاريخ الذي يحتشد بقصائد الشاعرات التي ما زلنا نستدرجها لنستشهد بأبياتها ونطرب لمعانيها وأطيافها، وهل من قصيدة أنضر مما قالته ميسون بنت بحدل، عندما طاف بها الحنين إلى جزيرة العرب صحرائها ووديانها وغدرانها فقالت:
|
وبيت تخفق الأرواح فيه |
أحب إلي من قصر منيف |
ولبس عباءة وتقر عيني |
أحب لي من لبس الشفوف |
وكلب ينبح الأضياف دوني |
أحب إلي من هر ألوف |
هي القوى التي تحرص على أن يظل إنسان هذا المكان كسيحاً ومقولباً داخل زنزانة من الممنوعات والمحرمات، إنسان من هذا النوع بالتأكيد سيكون مستلب الإرادة أجوف, عاجزاً عن التفكر والتدبر، معتقلاً وليس بعاقل، وبالتالي سيكون سهل الانقياد خاضعاً لمشيئة وقوانين قوى الظلام.
|
ومن يحاول أن يتمرد على هذا القانون هو بالتأكيد سيقابَل حتماً بالتصفية الجسدية، وهو الأسلوب الذي تتبعه قوى الطغيان بجميع أشكالها سواء في غزة.... أو في الجوف.
|
تلك التي لطالما ترصدت بمشروع النهضة العربي.
|
إن ثبت البُعد الجنائي في حادثة نادي الجوف، فهو مؤشر خطير, بل أيضاً جرس إنذار محتدم الرنين، يأخذنا إلى غياهب دهاليز لطالما عانى منه مشروع الدولة الحديثة لدينا، سواء عندما افتتحت أول مدرسة للبنات، أو افتتحت أول محطة للتلفاز!!
|
إنه الحريق الذي يجب أن يستنهض همم جميع أبناء الوطن المخلصين الغيارى للنهوض في وجه الهجمة (التي قد يكون لها أبعادها وتبعاتها) عبر المزيد من الفعل التنويري الجاد والدؤوب، الذي يجعل الوطن على رأس أولوياته.
|
ولا أعتقد أن حادثة من هذا النوع يجب أن تبقى بعيدة عن دائرة اهتمام المؤسسات الوطنية المعنية بالأمن القومي، أو مراكز البحوث والدراسات الأكاديمية، وعلى رأسها مركز الحوار الوطني؛ لأن عبر هذه الحادثة الخطيرة... تلاشى وتجمد الحوار الوطني إلى ما دون الصفر، ولم يبقَ سوى أسلوب الغابة في التصفية والإزاحة.
|
|