يقول قلب الدين حكمتيار قائد (الحزب الإسلامي) الأفغاني، وأحد قادة الجهاد الإيراني في أفغانستان، موجهاً كلامه لحركة حماس: (لا تتكئوا على إيران فهي على مر التاريخ وقفت دائماً مع الأعداء ضد الأمة الإسلامية، وهي عدو في لباس صديق، وتضرب المسلم بخنجر من ورائه. إيران تحالفت أيضاً مع الروس والشيوعيين ضد المجاهدين الأفغان، كما أنها ساعدت القوات الصليبية في احتلال أفغانستان، ووقفت مع أمريكا في احتلال العراق).
حكمتيار هذا كان أحد أدوات اللعبة في الحرب الأهلية الأفغانية، وكان متحالفاً مع إيران في مواجهة طالبان، وعندما انتهت منه إيران، أو بلغة أدق: انتهى دوره كقطعة من رقعة الشطرنج، ضحوا به في لعبة المصالح، وطردوه شر طردة، ومنعوه من دخول الأراضي الإيرانية، بعد أن حقق لهم (تكتيكياً) ما يريدون في مرحلة من مراحل لعبة التوازنات في المنطقة؛ فالسياسة لا تعرف المبادئ كما ظن واهماً حكمتيار.
(حماس) في فلسطين هي (الحزب الإسلامي) في أفغانستان، وحكمتيار الأمس هو خالد مشعل اليوم، وليلة غزة هي بارحة كابل، واللعبة هنا وهناك لا علاقة لها بالدين ولا بنصرة الجهاد، ولكنها مصالح متشابكة ومعقدة ومتداخلة توجهها دائماً وأبداً المصالح. والذي لا يقرأ التاريخ، ولا يعي متغيراته، ولا يتابع الحاضر وتوجهاته، قد يبدو له المشهد على غير حقيقته.
الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، بدأ مغازلة الإيرانيين منذ بداية حملته الانتخابية، وأكد في أكثر من مناسبة أن تعامله معهم سيكون مختلفاً عن تعامل سلفه. يقول كما جاء في صحيفة (يديعوت أحرنوت) الإسرائيلية في 29 فبراير 2008م ونشرته على موقعها الإلكتروني: (لقد حان الوقت للتحدث بشكل مباشر إلى الإيرانيين، وتوضيح شروطنا بجلاء وهي: إنهاء سعيهم لامتلاك أسلحة نووية، ووقف دعم (الإرهاب)، ووقف تهديداتهم لإسرائيل والدول الأخرى في المنطقة. ولتحقيق هذا الهدف، أعتقد أننا يجب أن نكون مستعدين لتقديم حوافز، مثل إمكانية تحسين العلاقات، والاندماج في المجتمع الدولي، إضافة إلى مثبطات مثل إمكانية زيادة العقوبات).
معنى ذلك أن حماس، التي لا تخفي تحالفها مع آيات الله في إيران، تعمل - بوعي أو دونما وعي- على تقوية موقف المفاوض الإيراني في عهد أوباما. و(حرب غزة) التي دفعت إيران حماس إليها، عندما ضغطت في اتجاه عدم تجديد (التهدئة) مع الإسرائيليين، كانت إحدى الأوراق الهامة التي سوف يستثمرها الإيرانيون إلى أقصى حد ممكن على طاولة المفاوضات مع الأمريكيين. أي أن حماس، وحرب غزة، وأشلاء القتلى والدمار التي أدمت قلوب الكثيرين، ستصبح في القريب العاجل مجرد (ورقة) تفاوضية من ضمن أوراق في صفقة (المقايضات) الأمريكية الإيرانية القادمة، والتي يعمل الإيرانيون، بكل ما أوتوا من جهد للاستعداد لها من الآن.
ومثلما اكتشف حكمتيار (متأخراً) أنه كان ضحية لصفقة، أو مجرد حجر على رقعة شطرنج؛ وأن إيران: (عدو في لباس صديق، وتضرب المسلم بخنجر من ورائه) كما جاء بالحرف في نصيحته لحماس؛ فكأني بالتاريخ وقد أعاد نفسه في الأشهر القادمة بالنسبة لحماس، وستذكرون كلامي.
إلى اللقاء.