ها أنذا وأنت نتجول في (ريضان) الصحراء المزهرة الخضراء، الحمراء، الصفراء المتشابكة الألوان كحديقة متوحشة تمتد من الأفق إلى الأفق تحت الغيمة السماوية الزرقاء نهجس بالبيتين التقليديين القديمين:
(أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النيروز في غسق الدجى
أوائل وردِ كن بالأمس نوّما)
لكن سرعان ما تمسح البيت من الذاكرة لكثر ما استهلك من الترديد ونروح نغني كقبرة الربيع (أم سالم) ونشرع بالغناء:
(أيا حسنها من رياضٍ غدا
جنوني فتوني بأفيائها
مشى الماء فيها على رأسه
لتقبيل أقدام أغصانها!)
ولا نكاد ننتبه بأن هذا البيت يمثل حداثة قديمة!! لشاعر لا نعرفه ولكنني شطحت بأن الشعر الحديث هو رؤية وعمق لا عبث وتشويه.
أقول ذلك لنفسي وأنا أسير في صباح البراري ويحلو لي تماماً أن أرفع الصوت وأحدو - صباحاً - على عكس ما دأب عليه البداه:
(يا نائماً ونسيم الصبح منتبه
في روضة الزهر والأطيار تنتحب
الورد ضيف فلا تهمل كرامته
فهاتها قهوة والنار تلتهب)
بالطبع حينها لن تتمنى كما تمنى الشاعر البدوي القديم:
(وظعنٍ اليا قيل العرب ظاغينا
مع مهره قبأ وبالكف له طير
وأربع دلالٍ نجرهن له دنينا
وبيت كبير وربعه للخطا طير)
أقول أنك وأنا لن نتمنى ذلك، بالطبع في هذا الزمن التكنلوجي المدهش وكل منا يحمل جهازه النقال في مهامه البيداء، إذن لم لا نطوح هذه الآلة اللعينة ونغني مع الشاعر العاصمي المدهش هكذا:
(والله ما أستانس وينساح بالي
إلا إلى ما قام يزجر فحلها
واشوف حيران النياق الغوالي
تدرج ونار الربع يوضي شعلها
في روضة والربع ربعٍ رجالي
والسالفة إن جات محدٍ شقلها
ترى السوالف يا ذهان الرجالي
تسبح إذا عرضت على غير اهلها
حينها تتذكر أن القراء أهل لأجمل الحكايات والسوالف بعيداً عن القتل والموت والدمار وأدخنة المدائن المبهمة إذن لا بأس أن تعيد القول كتحية لمقدم الربيع.