Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/01/2009 G Issue 13261
الأحد 21 محرم 1430   العدد  13261
دفق قلم
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

كنت أتجرَّع -كغيري من المتابعين لأحداث غزَّة الدامية- تلك الكلمات التي يتحدث بها المسؤولون الصهاينة حرصاً على معرفة سير الأحداث، وإلا فإن في كلامهم من المرارة والألم الذي يشتعل في القلب ما لا يكاد يحتمل. وتوقفت عند قول تلك المرأة التي يسمونها ليفني وهي تقول بهدوءٍ قاتل: أطلب من لجان حقوق الإنسان الدولية أن تطمئننا على أسيرنا عند حماس (شاليط) فإننا نخشى أن يكون قد أصابه مكروه في هذه الحرب.

أرأيتم أيها الأحبة تبجُّحاً أكثر من هذا، واستخفافاً بنا وبأمتنا كلها وبدماء شهداء غزة - كما نرجو لهم ذلك - وأشلائهم، ودماء الجرحى ودموع المشردين أكثر من هذا الاستخفاف؟!

يا ليت من يملكون زمام الأمور في عالمنا الإسلامي يتيحون لأنفسهم فترة تأمُّل طويلة بعيداً عن الضغوط السياسية الخانقة، ليتذكروا - دائماً - هذه الصورة البشعة للعدو الصهيوني الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.

معركة ظالمة غاشمة تستمر أكثر من عشرين يوماً على شعب مسلمٍ محاصر، مظلوم، ولا يستطيع العالم أن يوقفها، ولا تستطيع هيئة الأمم ولا مجلس الأمن ولا جمعيات حقوق الإنسان أن تقول بلسان واحد للظالم القاتل الغادر: قف، وإذا لم تقف فلن نقف مكتوفي الأيدي أمام مجزرتك الشنيعة؟ أي ظلم هذا، وأي تواطؤ مع هذا المجرم اليهودي الذي لا يشك في إجرامه أحد إلا من فقد ضميره وعقله.

لقد أكدت هذه الحرب أن العالم كلَّه بجميع هيئاته وأنظمته قد أخفق في تحقيق أدنى مستوى من رعاية حقوق الإنسان (المسلم)، بل إنَّ هذه الحرب أكَّدَتْ أنَّ قوى الاستكبار تشارك في الجريمة بهذا التعاون، وهذا الإهمال الذي يسهم في قتل مئات الأبرياء، وهدم مئات البيوت والمساجد، والمستشفيات، بل وقصف المقابر، الذي دلَّ على قذارة هذه الحرب وفظاعة من يشنونها.

مكر عالمي واضح، ولكنَّ مكر الله أشد، ولله حكمة عظيمة فيما يجري (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) عبارة نردِّدها كثيراً هذه الأيام حينما نسمع أحاديث الأعداء، والمنافقين والمرجفين في المدينة الذين يضمون أصواتهم إلى أصوات أولمرت وباراك وليفني وغيرهم من الظالمين.

(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) حقيقة لا مجال للشك فيها، ولا يصح لمسلم ولا مسلمة أن ينساها أو تغيب عن باله أبداً، فهذا الظلم الظاهر الذي يجري في كل لحظة وثانية في غزَّة هاشم لن يضيع عند الله عز وجل المحيط بكل شيء، الذي أمر بالعدل ونهى عن الظلم سبحانه وتعالى.

سيعلم الذين يجنحون إلى موادعة هذا العدو اليهودي الذي لا أخلاق له، أنهم قد وقعوا في خطأ ضخم، لا يعلم إلا الله عز وجل مدى آثاره السيئة.

إن عبارة اليهود التي تقول: (لا يوجد وعود مقدسة) لافتة واضحة يجب أن تعلَّق أمام كل حكومة إسلامية وعربية حتى لا ينسوها في خضمِّ التَّحرك السياسي (الليِّن) مع هذا العدو اليهودي القاسي المتصلِّب المتحجِّر.

يقول تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)، ويقول عز وجل: (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

إن تدبُّر آيات القرآن الكريم في هذه المرحلة واجب على حكام المسلمين وعلمائهم وعامتهم، لا سيما الآيات الخاصة باليهود لعل القلوب الغافلة تصحو، ولعل النفوس الغافية تستيقظ.

إشارة :

قال تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد