لفت انتباهي في لغة التعبير الانفعالي التي استخدمها الأطفال في مسيرات شعوب الدول الإسلامية والعربية تعبيراً عن تضامنهم مع الطفل الغزاوي الصامد الكبير حتى في دمعته وصبره وجراحه، إنها لغة واعية.. ذات أبعاد دلالية تطمئن إلى حسن توجيه مدارك الصغار لقضاياهم الأممية والمصيرية المرتبطة بوحدة الدين بوصفها العلاقة الأولى في جمعية هذا التضافر.. ومن ثم شمول هذه اللغة على ألفاظ تنمّ عن حس بمفهوم الكلمة التي ينطقها الصغير، حيث إن تشكيل الحس وجعله متحركاً بالتعبير الانفعالي لهو من المسؤوليات الأولى في تربية الوجدان الإنساني.. فكثير من الكبار يبعدون الصغار في بيوتهم عن معرفة الأحداث خشية أن يألموا أو يخافوا..
ولئن كانت هذه الخشية ضرورة لكن الواجب أشد ضرورة لتنشئة الأجيال من أجل مستقبل نحوه لم يعد هناك اطمئنان كبير من أجلهم، ولأنهم رجال المستقبل الذين ستؤول إليهم الحياة، ولكي يجعلوها مشرقة لا بد أن يعرفوا تفاصيل أحداثها ويتفاعلوا معها بشكل إيجابي ليدركوا من ثم ما لهم وما عليهم.. لذا فمنطق الحماس والتعبير عن المواقف ومؤازرة الجار.. والشعور بحجم العدوان على إخوتهم في غزة، وقراءة ما في استطاعتهم من المشهد، ومساعدتهم في تشكيل الرؤية الصحيحة وإيضاح الغامض لهم من الأمور في غير إيغال مفرط ولا تعمية مجحفة ولا زيادة في تعتيم الرؤية الشخصية بل في موضوعية وأمانة تراعى فيها كلمة الحق المنجية يوم الحق، كل ذلك واجب ضمن واجبات التربية وتنشئة الأبناء.. هؤلاء الذين سيشهدون على آبائهم فيكونون قرة أعين لهم يوم لا منجاة من الحق.. إلا بعمل يرضيه وفعل يطيعه تعالى.. ولعلني كنت في شيء من الراحة وأنا أتابع ما ينشده الصغار ويلثغ به مخرج الحروف بين شفاههم وهم يعبرون لإخوتهم في غزة بالدعاء والرجاء.. فالمواقف الكبيرة هي التي تكشف عن الكبار من ورائها.. فليبارك الله فيهم ولينشئهم نشأة صالحة وليوفقهم لمرضاته قولاً وعملاً.. وليقر بهم أعين المخلصين لقضاياهم يوم العرض.. ويسعدهم بهم فوق الأرض.