ومع تطور وسائل التقنية وسرعة وصول صوت القارئ من خلال خدمة الرد الإلكتروني العاجل ومناقشة الخبر أو المقال لم تعد تدهشني قراءة الأخبار والمقالات الإلكترونية بقدر ما يدهشني قراءة ذلك الكم الهائل من الردود- التعقيبات الهمجية حولها، والتي أراها لا تكتب إلا من باب الجهل.. والتنفيس غير المبرر!
عادة تستفتح تلك الردود بأنواع مقززة من السب والشتم والتحقير والتصغير، عدا الكثير من اللعن الذي سيتبرعون بإيصاله مشكورين إلى آخر فرد من شجرة عائلتك الكريمة وبالمجان لمجرد اختلافهم معك في وجهة النظر.
وأجد مجموعة كبيرة (جداً) تتدخل في نوايا الكاتب ومقاصده وتكاد أن توهم العوام بأنها تعرف كل خفايا الخبر ومتى كتب وأين ولِمَ، لدرجة أنك تشك بأنه يعلم لِمَ تهور الكاتب وكتب وذاك القارئ يعلم ما لم نعلم في المقال المغضوب عليه.
ناهيك عن من ينصّب نفسه مدافعاً، فيبدأ بشخصنة الموضوع ويخبرنا مثلاً أنه يعرف الكاتب وأهله والدليل أنهم يعيشون في الحي ذاته، وربما استرسل وأخبرنا أنه كان معه يوم أمس وناقشا تلك القضية معاً.. وما كتب لا يمثل الحقيقة أبداً، بل ربما تطور الأمر واتهمه بالزندقة وعدم الصلاة والانحلال وأنه شاهده مسحوباً على وجهه ذات يوم إلى مركز الشرطة .
وبقدرة قادر تجد أن خبراً واحداً فقط قد يسكب عليك وابلاً من جميع النعوت والأوصاف والإشاعات التي سمعتها في حياتك وربما الكثير مما لم يحالفك النحس لتسمعها بعد.. فجميعها جاءت على طبق من (رد) دون حسيب ولا رقيب.
وجلّ عزائي على من يقرأ المقال متأخراً، ويرى أن ما أراد أن يكتبه قد سبقه غيره، أتعجبه، فيموت غيظاً لأنه تأخر في قراءة المقالة، مع حنقه ولعنه على صاحب الرد رقم 2 و4 لأنهم كتبوا ما أراد أن يكتبه هو بالضبط، فلا يرى حينها أنه قد تبقى له من المفردات سوى الدعاء على الكاتب أو المكتوب عنه بشلَ اليد وتسويد الوجه مع أصدق تمنياته بالموت العاجل له وعلى من هم على شاكلته إن أمكن، ودخول جهنم صاغراً مخزياً بإذنه ولا مانع من جر الأهل والمؤيدين إلى النار.
أقرأهم وكأني أراهم يتسابقون على وجبة عشاء فاخرة من يصل أولاً يأكل- يكتب كثيراً ولا يُبقِي إلا القليل لغيره.!
والمفجع في الموضوع كله أنهم بعد أن يكتبوا ما يشبع ويريح ضمائرهم الواسعة يذيلون الرد بقولهم: (أتحدى أن أرى ردي معروضاً على الملأ).
أمن الجميل وقتها أن أرى تلك القلوب السوداء تخسر تحديها؟
إن كانت تلك الردود التي تطال شخصية الكاتب وسمعته تظهر بكل حرية ويُقبَل عرضها، أتعجب وأتساءل عن نوع تلك الردود التي قد تحذف؟!
وصلنا إلى الألفية ولا أعلم لمَ البعض يصرّ حتى اليوم أن لا يتعلم كيف أن يكون حيادياً في آرائه، راقياً في نقده، أم أنه ما زال مستمتعاً بوجود رقيب وحسيب على رده فيحذفه ويقصه كما يشاء؟!
يا هو.. فقط صفوا النية.!