Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/01/2009 G Issue 13261
الأحد 21 محرم 1430   العدد  13261
ثلاثية
أنظمة الخليج العربي في الإعلام الإيراني 1-3 طبيعة الخطاب الإعلامي
د. سعد البريك

 

على الرغم من قصر عمر التاريخ الإعلامي لإيران الثورة إلا أنه مر بمحطات في خطابه بخصوص دول الخليج وقضاياه وأنظمته، فمع قيام الثورة وبداية حكمها لإيران اتخذ الإعلام الإيراني موقع الهجوم ممتثلاً بذلك لطبيعة موقف إيران من أنظمة الخليج. وبعد الحرب الخليجية الثانية بدأت بوادر التقارب وإظهار حسن النوايا على الصعيد السياسي والإعلامي، ..

وبقي هذا التقارب محكوماً بمجموعة من المتغيرات في الداخل الإيراني أهمها العقوبات الدولية وتداول السلطة بين الاتجاهين الإصلاحي والمحافظ. وعليه فإن محطات الإعلام الإيراني تجاه الخليج بقيت على وتيرة من التقارب الحذر ومحكومة في الوقت ذاته بالمعطيات والمتغيرات في الخليج والعالم.

والإعلام الإيراني رغم ظاهره الديمقراطي هو مرآة تظهر فيه السياسة الإيرانية متجلية في المواقف من مجمل القضايا الخليجية كما تظهر فيه -بين المسكوت عنه وما خلف المنطوق - الإستراتيجية العامة التي تهدف إليها إيران في الخليج. وتعتمد القراءة الصحيحة للمادة الإعلامية تجاه الخليج على الجمع بين اعتبارين اثنين:

الأول: ثوابت الإستراتيجية الإيرانية في الخليج.

والثاني: متغيرات السياسة الإيرانية التي يحكمها واقعها المحلي وكذلك الإقليمي والدولي.

ويصعب الخروج بقراءة صحيحة لطبيعة الدور الإعلامي الإيراني في المنطقة ما لم يوضع في الحسبان هذان الاعتباران.

وإذا ما نظرنا في طبيعة الخطاب الإعلامي الإيراني تجاه الخليج سنجده يتسم بالتعميم، فهو يعم أنظمة المنطقة في تحليلاته للموقف من قضايا الأمن الخليجي وكذلك في تناوله لمواقف لها ارتباط بالمشروع الإيراني وبعدها الإستراتيجي.

ولا غرابة في ذلك، فالخطاب الإعلامي في كثير من الدول العربية لا خيار له، فهو محكوم بأن يكون متناغماً مع الموقف السياسي، ولذلك تتباين أحواله ولهجاته وتصعيداته من دولة إلى أخرى تبعاً لتطورات العلاقة مع كل دولة، فالإعلام في النهاية يعكس العلاقة ويوجهها!!

وفي الحالة الإيرانية تجد الخطاب الإعلامي تجاه الإمارات مثلاً يختلف عنه اتجاه عمان لما بين الإمارات وإيران من خلاف حاد على الجزر الإمارتية الثلاث ولما بين عمان وإيران من علاقات تجارية وسياسية ويختلف عن الخطاب الإعلامي اتجاه الكويت. وفي الوقت الذي نجد الإعلام الإيراني لا يجرؤ على المساس المباشر بالنظام السعودي لما يمثله من ثقل سياسي قوي في المنطقة والعالم الإسلامي نجد الخطاب الإعلامي يتناول دولة البحرين الشقيقة باستقواء و(فرعنة)، إذ يصرح عبر وكلاء النظام من المستشارين وغيرهم بأن البحرين هي إرث من الأمجاد الفارسية وأرض إيرانية صرفة، وهو ما جعل العلاقات الديبلوماسية تشهد توترات وقطيعة في فترة من الفترات!! وبين الفينة والأخرى تصدر تصريحات إعلامية طائشة لمقربين من النظام عن التشكيك في شرعية أنظمة الخليج جميعها ويستشف المحللون من سياقها وسباقها بين سطورها شيئاً له علاقة بالمشروع الإيراني وموقفه التقليدي من دول المنطقة، فهذه جملة المفارقات التي يتباين فيها الخطاب الإعلامي الإيراني تجاه دول الخليج وهي مفارقات قد تؤدي أحياناً إلى إحداث بلبلة بين دول مجلس التعاون إذ يقرأ تباين الخطاب بين إيران ودولة خليجية قراءة خاطئة تحسبها دولة أخرى تضر بمصالحها القومية.

ولعل في رد الإعلام الرسمي الإيراني على تحذيرات الشيخ القرضاوي من المد الشيعي ما يؤكد النزعة المذهبية الطامعة للتوسع والانتشار واكتساح المنطقة، حيث نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن وكالة (مهر) ما نصه: (إن الشباب العربي أصبح يتوجه الآن نحو المذهب الشيعي الثوري. وإن هذا التوجه نحو المذهب الشيعي يأتي ضمن معجزات أهل البيت عليهم السلام التي لا يدركها إلا أولو الأبصار). والحقيقة أنه مشروع سياسي إيراني مغلف بنزعة مذهبية قومية يستهدف أنظمة المنطقة وشعوبها وخيراتها، وهو ما أكده الإعلامي الإيراني حسين شريعتمداري في جريدة كيهان بقوله: (إن الثورة الإسلامية بنظر الكثير من المسلمين ليست محصورة في إيران، وذلك لأن الإسلام كما تراه الجمهورية الإسلامية، وعلى عكس رؤية بعض دول مجلس التعاون الخليجي، أكبر من العرب والترك والكرد وغيرهم).

القضايا العالقة ذات المساس بالمشروع الإيراني وبعده القومي أو الحدود والنفوذ والتسلح وصراع الطاقة كلها جلية ومؤثرة في الخطاب الإيراني، ولا يمكن تجاهل أثر ذلك على الأمن في منطقة الخليج الذي هو من أهم المؤثرات في الإعلام الإيراني، وهو موضوع معقد يخضع لترتيبات معقدة لها علاقة بطبيعة الدور الإيراني في الشرق الأوسط ومدى التهديدات التي تمثلها للمصالح الغربية وطبيعة الموقع الإستراتيجي الشرق -أوسطي للمنطقة والمصالح الإستراتيجية الغربية فيها وطبيعة التحالفات التقليدية التي تتوزع بين دول كل من الخليج وإيران.

فإيران ترى الوجود الأمريكي والغربي عموماً في الخليج تهديداً مباشراً لها ولمصالحها، وهذا ما جعل إيران تشترط خلو منطقة الخليج من الوجود الأجنبي لتقبل الدخول في منظومة خليجية أمنية واحدة..

(الشيطان الأكبر) إذن تأويه منطقة الخليج كما يردد الإعلام الإيراني في كل مناسبة دينية وسياسية!! وهو ما يقلق إيران، ولعل الملف النووي الإيراني يمثل زاوية من انعكاسات الملف الأمني الخليجي. وفي هذا الشأن يطرح الكاتب مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق وجهة نظر النظام الإيراني ومعه الإعلام في مقال له بصحيفة (اعتماد): (إذا كان هناك خطر يهدد شبراً من تراب أراضينا, سيتحول الخليج (الفارسي) إلى خليج من الدماء, حيث من المحتمل أن تشهد المنطقة تحولاً وتغيراً. وفي مثل وقوع هذا الأمر ستتضرر دول المنطقة والأكثر منها الدول العربية الصغيرة. فعلينا أن نكون يقظين وألا نتلاعب مع إيران لأنها كاللعب مع ذيل الأسد). ومثل هذا التصريح تكرر كثيراً في مقالات وتقارير صدرت عن جهات إعلامية مثل موقع (عصر إيران الإليكتروني) والذي اعتبر في مقال له أن موقف أنظمة الخليج الحالي من الحرب على إيران موقف يشوبه (النفاق) وهدد بضرب دول الخليج حتى لو لم تنطلق العمليات الحربية من دولها!! وهو ما يعني أن إيران مصممة على استغلال فرصة احتمال ضربها من قبل أمريكا في زعزعة المنطقة برمتها حتى لو كانت دول الخليج العربية بعيدة كل البعد عن حرب الفرس والروم!!!

ويعتبر المشروع الإستراتيجي الإيراني في المنطقة متولداً من العمق العقائدي والخلفية القومية للنظام الإيراني، وهذا أكبر عنصر مؤثر في الخطاب الإعلامي الإيراني اتجاه الخليج بل منه تتولد بقية المؤثرات. فمقتضيات العقيدة التي قام عليها النظام الإيراني في حالة من التضاد البين مع العقيدة التي تقوم عليها أنظمة الخليج، وهذا يجعل نظرة الإعلام الإيراني إلى أنظمة الخليج وشعوب المنطقة نظرة سلبية قاتمة تعكس وجهة نظر المخلص والمنقذ والمحرر، بينما تنظر إلى الخليج على أنه يسبح في ظلمات الجهل والضلال والعبودية والقهر!!! وهذا ما أظهرته إستراتيجية المشروع الإيراني (تصدير الثورة) منذ عهد بعيد ومن هذا المنطلق نجد تحليلات إعلامه غارقة في ترسيخ هذه المفاهيم.

***




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد