انفض الدور الأول من دورة كأس الخليج التاسعة عشرة بضيافة مسقط على كثير من الإثارة والصخب الإعلامي على حساب المتعة الفنية داخل المستطيل الأخضر لأنه شهد قليلاً من كرة القدم ما يرسم علامات استفهام حول مدى استفادة المنتخبات المشاركة من هذه الدورة في استحقاقاتها الرسمية الأخرى.
وفرضت دورات الخليج خصوصية معينة منذ انطلاقها عام 1970 في البحرين فكانت ميداناً مثالياً وخصباً للتباري في الضغوط النفسية والتصريحات النارية، وكل ذلك سار بموازاة تعاظم شعبيتها في الدول المشاركة فيها وفي تطور مستوى كرة القدم فيها حتى باتت حاجة للمنطقة.
وساهمت الدورات الخليجية بالتطور على مسارات عدة، على الصعيد الإداري من خلال تراكم خبرات الكوادر التي عملت في التنظيم والإعداد لهذه البطولات، وعلى صعيد المنشآت الرياضية من خلال سعي الدول المعنية إلى توفير الملاعب الجيدة لاستضافة مبارياتها، وإعلامياً أيضاً لأنها كانت مكاناً مناسباً للبروز واكتساب الخبرات على مر السنوات.
والأهم من هذا كله، أن دورات الخليج كانت وراء نهضة رياضة كرة القدم في المنطقة إذ أدى التنافس الحاد بين منتخباتها إلى بروز مواهب عدة في دولها ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ماجد عبد الله وعدنان الطلياني وجاسم يعقوب وفيصل الدخيل وسعد الحوطي ومنصور مفتاح وغيرهم الكثير. وانطلقت المنتخبات الخليجية تدريجياً إلى الفضاء الأوسع، إلى فرض قدراتها في كأس آسيا، وثم إلى العرس الأهم في عالم كرة القدم، نهائيات كأس العالم.. ونجحت الكويت في الفوز بالبطولة القارية عام 1980 وأكدت بجيلها الذهبي في حينها حضورها على الساحة العالمية بالتأهل إلى مونديال إسبانيا عام 1982م.
وحذا العراق حذوها بتأهله إلى مونديال مكسيكو عام 1986 وسارت الإمارات أيضاً في مسيرة النجاح بالوصول إلى مونديال إيطاليا 1990 لتحمل بعدها السعودية راية المنتخبات العربية في كأس العالم بتأهلها عن جدارة إلى الدورات الأربع السابقة في الولايات المتحدة 1994 وفرنسا 1998 وكوريا الجنوبية واليابان 2002 وألمانيا 2006 وبات (الأخضر) السعودي أيضاً رقماً صعباً في القارة الآسيوية فتوّج بطلاً ثلاث مرات أعوام 1984 و1988 و1996، وخسر النهائي ثلاث مرات أيضاً أعوام 1992 و2000 و2007م.
إن مشاركة معظم منتخبات المنطقة في أدوار متقدمة من تصفيات كأس العالم حالياً يزيد من أهمية دورة الخليج، رغم انقسام آراء المشاركين بين من يعتبرها خير إعداد لمباريات التصفيات وبين من يؤكد أنها ليست مرحلة إعداد بل إنها لإحراز اللقب الخليجي، ما يطرح سؤالاً حول مدى خروج هذه المنتخبات بالفائدة الفنية القصوى من مشاركة في دورة إقليمية رغم خصوصيتها.
الأخضر
(الأخضر) هو مرشح دائم للقب لكنه يعاند المنطق الكروي بالدخول في زواريب الضغوط النفسية التي تفرض على كل مباراة، فالمنتخب السعودي يُعد أفضل المنتخبات الخليجية فنياً ومهارياً وغنى بالمواهب، وله من التاريخ والتجارب قارياً وعالمياً ما يخوله السيطرة على دورات الخليج بسهولة، لكن (خصوصية) هذه البطولة تحوِّله إلى لاعب عادي مثله مثل الآخرين.
احتاج (الأخضر) السعودي إلى الوقت للدخول في أجواء البطولة، فقد جارى نظيره القطري بالعرض اللا كروي في المحطة الأولى، قبل أن يصب جام غضبه على المنتخب اليمني بنصف دزينة من الأهداف في مواجهة لا تُعتبر مقياساً حقيقياً لمستواه وما يمكن أن يقدمه، فأتى الاختبار الإماراتي الذي كاد فيه السعوديون يقعون بمطب (الروتين) الكروي بين كر وفر إلى أن بانت موهبة بعض لاعبيه فقدموا فاصلاً مشوقاً لدقائق حسموا فيه النتيجة بثلاثية نظيفة.
ويقيناً لو يحسن (الأخضر) المواظبة على مستواه المرتفع فإن الحديث في دورات الخليج يكون عن ترتيب المنتخبات الأخرى من الثاني حتى الثامن، لكن أداءه المتذبذب يحرمه هذه الأفضلية رغم حاجته الماسة إلى اللقب الخليجي لأنه سيشكّل حافزاً مهماً له في الدور الرابع والحاسم من تصفيات مونديال 2010 في جنوب إفريقيا التي يعاني فيها كثيراً حتى الآن.
العماني
منتخب عمان الذي فرض احترامه خليجياً في الأعوام الماضية ووصل إلى النهائي في المرتين السابقتين استحوذ على الترشيحات كونه يلعب بنفس التشكيلة من اللاعبين تقريباً التي ازدادت خبرة وتريد أن تنتزع اللقب على أرضها وبين جمهورها للمرة الأولى في تاريخها.. وتشفع عروض صاحب الأرض للدورة في الحديث عن الناحية الفنية، فإنه الوحيد الذي أمتع وكان أداؤه تصاعدياً من مواجهة سلبية أمام الكويت المحافظة جداً دفاعياً إلى نتيجة تاريخية أمام العراق بأربعة أهداف نظيفة إلى فوز صريح بهدفين على البحرين التي كان من المفترض أن تبادله الندية والمهارة.
العمانيون بقيادة فرنسية هذه المرة يمثلها كلود لوروا صاحب الخبرة الكبيرة في القارة الإفريقية، واجهوا ضغوطاً في مباراة الافتتاح ثم تحرروا منها لاحقاً، لكن بطولة جديدة بدأت الآن في نصف النهائي يواجهون فيها المنتخب القطري الذي لم يقدم شيئاً يُذكر في ثلاث مباريات حتى الآن.
العنابي
(العنابي) بقيادة فرنسية أيضاً يشغلها برونو ميتسو، الفائز مع الإمارات باللقب في النسخة الماضية، قدم أداءً عقيماً في مباراته الأولى مع السعودية لم تتضح فيها شخصيته أو أسلوبه، وتكرر المشهد أمام الإمارات بتعادل سلبي آخر، ثم كانت المحطة الثالثة التي انتظرها ميتسو لتحقيق الفوز أمام اليمن الحلقة الأضعف، لكن الدقائق السبع التي احتسبها حكم المباراة بدلاً عن ضائع والخطأ قبيل الصافرة بلحظات على حافة المنطقة حولا الأتراح إلى أفراح بهدف لمجدي صديق أبقى به منتخبه في البطولة وأخرج الإمارات حاملة اللقب الأخير في أكثر لحظات الدورة إثارة.
الأزرق
(الأزرق) صاحب الأمجاد في دورات الخليج بتسعة ألقاب الذي انضم إلى دورته المفضلة بعد رفع الإيقاف الدولي عن الاتحاد الكويتي قبل أيام من انطلاقها، حضر باستعدادات متواضعة وبآمال محددة، الاحتكاك والتواجه في البطولة، وكانت تصريحات الشيخ أحمد الفهد والمدرب محمد إبراهيم تشير إلى أن المنتخب الكويتي (هو الحلقة الأضعف) في مجموعته.. لم يقدم (الأزرق) أداءً كروياً لافتاً في مبارياته الثلاث حتى الآن وكانت سمته الأبرز التغطية الدفاعية مع إغلاق تام للمنطقة، إذ يبدو أن إبراهيم ركز على قدرات لاعبيه من دون مبالغة فأراد تجنب تلقي أي هزيمة غير متوقعة، ولذلك أقفل منطقته تماماً في مباراة الافتتاح خصوصاً في الشوط الأول قبل أن ينطلق لاعبوه بهجمات مرتدة كاد عبرها مهاجمه أحمد عجب يسجل منها بمفرده ثلاثة أهداف قبل أن يرتضي الطرفان بالتعادل السلبي.. سيناريو المباراة الثانية للكويت مع البحرين كان مشابهاً أيضا بأداء دفاعي وهجمات مرتدة حين تسنح الفرصة، ومع فشل النجاعة الهجومية البحرينية، خطف مساعد ندا هدفاً كويتياً رائعاً من ركلة حرة وضع فيه منتخب بلاده في وضع جيد للتأهل إلى نصف النهائي الذي تحقق في الجولة الأخيرة بتعادل مع البحرين بهدف لكل منهما.