الدمام - هيا العبيد
أكدت باحثة ومؤرخة سعودية مهتمة بشؤون الأحوال الشخصية أن مساعي الإصلاح المجتمعي في المملكة العربية السعودية أخذت منحى الجدية في التقدم بدعم من ولاة الأمر الذين أفسحوا مجالات واسعة لنشر ثقافة حقوق الإنسان بما يؤكد تعزيز قيادة المملكة للرغبة الشعبية في هذا الشأن وبما يسهم في سير عملية الإصلاح بخطى وطيدة وسليمة. وأشارت الباحثة إلى أن كل مجتمع فيه مواطن خلل ولكن مبعث الخلل في المجتمع السعودي هو نظرته الدونية للمرأة التي ترتب عليها إقصاء المرأة وتهميشها في ظل سيطرة بعض الأعراف والتقاليد والعادات المتنافية مع تعاليم الإسلام على مجتمعنا تارة، ولإرضاء أهواء بعض الرجال الذين يريدون بسط سيطرتهم على المرأة وإذلالها تارة ثانية خاصةً مع وجود سوء فهم لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المطهرة المتعلقة بالنساء والتي أُخضعت تفسيراتها طبقاً للأعراف والتقاليد الجاهلية إثر فترات التراجع الحضاري وعصور الجهل والعزلة التي نُكبت بها الأمة الإسلامية وفُرضت عليها بعد سقوط الدولة العباسية عام 656هـ.
وكشفت عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وعضو لجنة الدراسات والاستشارات بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين حمَّاد، في تقرير أعدته مبادرة الطلاق السعودي، أن حركة الإصلاح الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تستند على المطالبة بحقوق المرأة الشرعية، والنظر إليها كما أقرها الإسلام، وأن النموذج الذي تقتدي به الحركة الإصلاحية الاجتماعية هو العهدان النبوي والراشدي، حيث طبق فيهما الإسلام التطبيق الأمثل، ونالت فيه المرأة كامل حقوقها، ومارستها الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن اللواتي هن خير قدوة وخير مثل، مشيرة إلى أنه لو نالت المرأة السعودية من حقوق ما نالته الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن لكانت أسعد نساء العالم، فالإسلام هو الذي احترم المرأة، وحفظ كيانها، وأنصفها الإنصاف كله.وحول الحاجة لإصدار نظام الأحوال الشخصية في السعودية، علّقت الدكتورة زين العابدين، أن المرأة السعودية تواجه مشكلة في رفع دعاويها إلى القضاء، حيث اعتبرت الأعراف الاجتماعية أن المرأة التي تتقدم بالشكوى لدى المحاكم والشرط (إمرأة غير أصيلة) وأن (الأصيلة) هي التي لا تذهب إلى مثل هذه الجهات مما يتكشف معه أن التربية الاجتماعية عوّدت المرأة في المجتمع السعودي على التنازلات وعلى السكوت عن المطالبة بحقوقها مما ضاعف من استبداد الرجل بها وظلمها وأخذ حقوقها، حتى نجد بعض الأزواج يهدد الزوجة بالطلاق إن أرادت فسخ وكالتها له، وقد امتدت هذه الأعراف حتى إنه إذا تجرأت المرأة ورفعت مظلمتها إلى المحكمة طالت قضيتها وأخذت سنوات وسنوات، وقد تصل إلى نتيجة أو لا تصل، مما يتطلب عمل هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بأسرع وقت على إصدار نظام للأحوال الشخصية بما تنتهي معه كافة مظاهر العنف والمعاناة الواقعة على النساء والأطفال جراء غياب هذا النظام.
وأضافت د. زين العابدين: أنه من المهم مساندة كافة الأفراد والجهات للنهضة التنموية التي تسعى لها حكومة المملكة وذلك بتصحيح المفاهيم الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء، والتشجيع على ذلك من خلال كتابة المقالات وتأليف الكتب وإجراء اللقاءات التلفزيونية، إضافة إلى ضرورة مشاركة المرأة في حل قضاياها من خلال إتاحة الفرص لها بالمشاركة في الحياة العامة وبإعطائها كافة حقوقها الشرعية في مختلف المجالات، إضافة إلى مشاركتها في مؤسسات المجتمع المدني، مشيرة إلى أن وجود المرأة في مواقع صنع القرار سيساعد كثيراً في حل المشاكل التي تعاني منها، فضلاً عن كونه سيسهم في تغيير نظرة المجتمع وأفراده لها.
وأوضحت الدكتورة زين العابدين حول مشكلتي القوامة والولاية التي تعطّل وصول المرأة السعودية إلى موقع صنّاع القرار بقولها: إن المفاهيم الخاطئة للقوامة، والتي تشيع أنها قوامة مطلقة بما يعني أن كل الرجال قوامون على كل النساء، وأن وجود المرأة في مواقع صنع القرار يجعل لها القوامة على الرجل؛ هي مفاهيم خاطئة، فالقوامة في الإسلام حددها الله عز وجل في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فهي محصورة في نطاق الأسرة، ومشروطة بشرطين، الأول هو الأهلية للقوامة، وبطبيعة الحال فليس كل الرجال مؤهلين للقوامة، فقد يكون الزوج أو الأب أو الأخ، مصابا بخلل عقلي، أو بشلل تام أو مقعد أو لا يتكلم، أو مريض بمرض نفسي لا يؤهله للقيادة والقوامة، أو يكون معتوهاً، أو مدمناً للمخدرات، أو الخمر، أو قد يكون قاتلاً فاسقاً مجرماً، أو ذا سوابق سلوكية منحرفة، ففي هذه الأحوال لا يكون مؤهلاً للقوامة، والشرط الثاني هو الإنفاق، فمن شروط القوامة الإنفاق على من هو قيم عليها بتأدية نفقتها وتلبية احتياجاتها، مضيفة: أما مفهوم الولاية فالغالبية لدينا تعتقد أنه لا ولاية لمرأة، لفهمهم الخاطئ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوم الفرس عندما ولّوا أمرهم لامرأة لعدم وجود رجال يصلحون للحكم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فأخذ الأغلبية بعموم اللفظ، وقالوا: (لا ولاية لامرأة) مع أن الحديث جاء بخصوص السبب، ولم يأت لعموم اللفظ لوجود آية تعطي للمرأة حق الولاية لقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) والسنّة لا تناقض القرآن، وفيما يختص بالولاية الكبرى، أي تولي المرأة الحكم، فالله جل شأنه أثنى على ملكة سبأ، وأكد أنها امرأة شوروية، ولم يستنكر توليها الحكم، وبيّن أن قومها فلحوا في الدنيا والآخرة بإتباعها لسليمان عليه السلام ودخولها هي وقومها الإسلام، كما كانت دولتها قوية في فترة حكمها لها، ويوضح هذا قوله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ}، فقال لها قومها: {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}، وقد أقرَّ سيدنا سليمان عليه السلام على حكمها سبأ بعد إسلامها.