كل الحروب وحتى المواجهات الحدودية المحدودة يتلقف السياسيون مهمتهم بعد توقف العمليات العسكرية، أو عندما يعجز العسكريون عن تحقيق الأهداف التي شنت الحرب لإنجازها، وعلى الرغم من أن الغرور العسكري يمنع (جنرالات) العسكر التسليم بفشلهم في تحقيق المهام التي طلبت منهم القيادة السياسية تحقيقها، إلا أن الفهم الاستراتيجي للقيادة السياسية يفرض عليها تجاوز الغرور العسكري والانتقال إلى وسائل وأساليب أخرى لمعالجة فشل العسكر في تحقيق الأهداف أو البحث عن حل ينجز بعض الأهداف، مقابل إعطاء الطرف الآخر مكاسب تقايض ما يمكن الحصول عليه بعد أن فشلت المعارك في تحقيقها.
هكذا يحصل دائماً عقب وخلال كل الحروب الأممية والإقليمية، والحروب قد يطول أمدها نتيجة إصرار العسكريين وادعاءاتهم بقدرتهم على فرض ما كلفوا به من أهداف، إلا أن الواقع وما يحدث يفرضان على الساسة التحرك قبل أن تصل الأوضاع إلى الحالة التي لا يمكن إصلاحها مثلما نرى الآن في الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على أهل غزة، فبعد ثمانية عشر يوماً من هذه الحرب الظالمة عجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن فرض الإرادة الإسرائيلية على أهل غزة وعلى المقاتلين الفلسطينيين وجلهم من (قوات حركة حماس). حيث يقيِّم المحللون العسكريون ما أنجزته هذه الحملة العدوانية الإسرائيلية التي لم يكشف الإسرائيليون عن أهدافها، إلا أن المحللين يعتبرون أن لهذه الحملة هدفين، العسكري منها هو تدمير الصواريخ التي تطلق على جنوب الأرض المحتلة (إسرائيل)، والهدف الثاني وهو السياسي الذي يستهدف كسب وتحسين صورة الحكام الإسرائيليين وتعزيز مراكزهم في الانتخابات القادمة، وهذا يفسر تباين المواقف من استمرار العدوان الإسرائيلي على أهل غزة حتى بين أعضاء الفريق الحاكم الواحد فضلاً عن مزايدات المعارضة الإسرائيلية.
ودون التورط في متاهات الكشف عن النوايا الحقيقية لساسة وعسكر إسرائيل التي لا يمكن التنبؤ بمدى وحشيتها، إلا أن الذي يجمع عليه المحللون السياسيون والعسكريون من أن كلتا الفئتين، السياسيين والعسكريين قد فشلوا في تحقيق ما كانوا يصبون إليه من وراء شن هذه الحرب العدوانية.
إذن ما هو السلوك والتصرف في مثل هذه الحالة.؟!
فلسطينيا وعربياً، لا خيار أمام المجاهدين الفلسطينيين إلا الصبر والصمود والمقاومة لتأكيد فشل العدوان الإسرائيلي، وعلى الدول العربية دعم صمود المرابطين الفلسطينيين بما يستطيعون تقديمه، وخاصة إرسال المواد الإغاثية من غذاء ودواء ومعالجة الجرحى والدعم السياسي الذي يجب أن يتركز في عدم الضغط على المقاومين لإجبارهم على التسليم لشروط إسرائيل، بل يجب استثمار هذا الصمود في تحسين الأوضاع المعيشية لأهل غزة، بفتح المعابر وإلغاء الحصار الجائر المفروض على أهل غزة منذ عامين.
إسرائيلياً: كل المحللين يؤكدون أن القوات الإسرائيلية في ورطة فهي إن ظلت في مواقعها لا تحصد سوى (ذل) وضحايا من المدنيين الأبرياء من أهل غزة يزيد من غضب المجتمع الدولي والعربي وهو ما يبعد أي حل يجلب الأمن للإسرائيليين.
وأما إذا أرادت القوات الإسرائيلية التوغل داخل العمق في التجمع السكاني بغزة وهو الأعلى كثافة سكانية في العالم، فإن الخسائر ستكون عالية وعالية جداً سواء في صفوف الإسرائيليين أو السكان الفلسطينيين وكل هذا يتيح للحملة العسكرية تحقيق أهدافها.
إذن لم يبق إلا التوجه إلى السياسيين لمعالجة (غرور) العسكريين وهو ما بدأت أولى خطواته في القاهرة، التي يجب على المفاوض الفلسطيني التمسك بالثوابت التي تتركز على وجوب فتح المعابر وإلغاء الحصار المفروض على أهل غزة نهائياً وعدم وضع شروط على المقاومة ما لم ينه الاحتلال تماماً وتعلن الدولة الفلسطينية.
jaser@al-jazirah.com.sa