Al Jazirah NewsPaper Monday  12/01/2009 G Issue 13255
الأثنين 15 محرم 1430   العدد  13255
أيام احتضار بوش في غزة
ألفارو دي فاسكونسيلوز

 

أثناء زيارة قام بها إلى الشرق الأوسط حذَّر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أعداء الولايات المتحدة من استغلال خواء السلطة الحالي هناك لمحاولة تغيير الوضع الراهن أو تقويض أهداف الرئيس الأمريكي الجديد. ولكن من عجيب المفارقات أن يأتي التحدي الأكبر في هذا الصدد من جانب الحليف الرئيسي لأمريكا في المنطقة، إسرائيل.

إن المتشددين في إسرائيل يعربون بطبيعة الحال عن أسفهم لنهاية إدارة بوش؛ وذلك لأنهم يدركون أن الرئيس باراك أوباما حتى ولو لم يغير بصورة جذرية سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع إسرائيل بمجرد توليه السلطة، فإنه لن يواصل الدعم غير المشروط الذي دأب الرئيس بوش على تقديمه لها.

لقد رأى المتشددون الإسرائيليون في (الحرب ضد الإرهاب) والحرب في العراق حربين يخصان إسرائيل، وأيدوا الحرب الخطابية التي شنها بوش ومحاولاته لعزل إيران، واعتبروا المحافظين الجدد أقاربهم في الأيديولوجية. واشتركوا بصورة خاصة مع المحافظين الجدد في اقتناعهم بأن التدخل العسكري يشكل وسيلة مشروعة وفعّالة لإحداث التغيير السياسي. وهي نفس الغاية التي حاولت الحكومة الإسرائيلية تحقيقها في لبنان (بسحق حزب الله) في العام 2006. والآن تكرر نفس المحاولة ولكن في غزة.

فرداً على صواريخ حماس تستخدم إسرائيل الآن القوة المفرطة في غزة، تماماً كما فعلت في لبنان. ومن المرجح أن تنتهي أيضاً إلى نفس النتيجة التي انتهت إليها في لبنان: فمع نهاية الحملة ستكون حماس قد اكتسبت المزيد من الشعبية في فلسطين وفي العالم العربي. والحقيقة أن العملية العسكرية الحالية جاءت في أعقاب عامين من الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة والذي كان من المفترض أن يقضي على حماس، إلا أن الحصار فشل في تحقيق الغاية منه.

من المرجح أن ينظر أوباما إلى إقامة دولة فلسطينية باعتبارها إنجازاً يصب في صميم مصلحة الولايات المتحدة. ولسوف يتعامل مع هذا الأمر باعتباره شرطاً أساسياً مسبقاً لتغيير صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، بما أن استعادة مصداقية أمريكا سوف تشكل هدفاً رئيسياً من أهداف الإدارة القادمة.

ولا يستطيع المتشددون الإسرائيليون أن يكونوا على يقين من أن أوباما لن يدرك في نهاية المطاف ضرورة تغيير السياسات الأمريكية في التعامل مع إسرائيل سعياً إلى تحقيق هذه الغاية، التي يعتبرها شأناً استراتيجياً على قدر عظيم من الأهمية. وهم يدركون بالطبع أن أي توجه جدي في التعامل مع القضية الفلسطينية لا بد أن يعني بالضرورة إشراك حماس في التوصل إلى حل قائم على دولتين.

نستطيع أن نقول باختصار إن الحكومة الإسرائيلية تستغل أيام احتضار إدارة بوش لتطبيق سياسة الحل العسكري أولاً. وفي الوقت نفسه تحاول خلق وضع من شأنه أن يزيد من الصعوبة التي سيلاقيها الرئيس الجديد في محاولاته لتحقيق سياساته في المنطقة. والآن تؤكد التقارير الإخبارية انتشار حالة من الاشمئزاز الشديد في مختلف بلدان العالم العربي، حيث يُحرَق العلم الأمريكي جنباً إلى جنب مع العلم الإسرائيلي. وهذا يعني ببساطة أن هذه الحرب سوف تزيد من صعوبة الحوار مع هذه البلدان في الوقت الذي أصبح فيه مثل هذا الحوار يشكل ضرورة قصوى بالنسبة للولايات المتحدة.

كان الدعم الذي تتلقاه حماس من إيران من بين الأسباب التي أدت إلى التشكك في نواياها من قِبَل المجتمع الدولي. بيد أن أوباما تعهد بتغيير السياسة الأمريكية في التعامل مع إيران وفتح القنوات الدبلوماسية معها بدلاً من الاكتفاء بإطلاق التهديدات العسكرية. ومثل هذا التغيير من شأنه أن ييسر من إنهاء العزلة المفروضة على حماس أيضاً.

من الواضح أن عودة الولايات المتحدة إلى الحوار مع إيران تشكل سياسة من شأنها أن تخلف أثراً بعيد المدى في الشرق الأوسط. ورغم أن هذا التحول الاستراتيجي في سياسة الولايات المتحدة يصب أيضاً في مصلحة إسرائيل، فإن أغلب الإسرائيليين لن يروا الأمر من هذا المنظور. فالحوار الأمريكي مع إيران سوف يشكل ضربة خطيرة لمصالح المتشددين الإسرائيليين، ولا شك أن بعض هؤلاء المتشددين يحلمون بجعل ذلك الحوار في حكم المستحيل.

وهذا يعني أن تكبيل السياسة الأمريكية ربما كان من بين الغايات التي استلزم تحقيقها غزو إسرائيل لقطاع غزة. بيد أن هذا الغزو يشكل تحدياً خطيراً للسلام الدولي وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بالكامل. وإذا حدث ذلك فإن هذا يعني أن التقارب مع إيران الذي خطط له أوباما قد خُنِق في مهده.

في الأيام التالية التي تفصل بين أوباما وتوليه لمنصبه، وفي ظل خواء السلطة الكامل في الولايات المتحدة، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً فريداً في المبادرات الدولية الرامية إلى إنهاء العنف ومنع كارثة إنسانية محدقة. ولكي ينجح الاتحاد الأوروبي في الاضطلاع بهذا الدور فلا بد أن يتبنى السياسة التي طرحتها الرئاسة الفرنسية للاتحاد، فيعطي الأولوية لوقف الحرب، ويتبرأ من استخدام إسرائيل للقوة الغاشمة المفرطة.

قد يكون التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بمثابة خطوة أولى نحو الإنهاء الدائم للأعمال العدائية والحصار المفروض على قطاع غزة. بل وقد يمهد في الواقع الطريق أمام إدارة أوباما الجديدة للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لتنفيذ الحل القائم على دولتين، وهو ما يجب أن يتبع وقف إطلاق النار مباشرة. بيد أن مثل هذه المبادرات لا ينبغي لها أن تغوص في مستنقع من المفاوضات الصعبة، بل ينبغي لها أن تركز على المبادئ الأساسية اللازمة لتنفيذ حل الدولتين، استناداً إلى الخطوط التي اقترحتها إدارة كلينتون قبل ثمانية أعوام.

لقد انخرطت حماس بالفعل في مفاوضات وقف إطلاق النار، وبات من الواجب الآن إشراكها بشكل كامل في عملية السلام، إلى جانب فتح، ولكن يتعين عليها أولاً بطبيعة الحال أن تتخلى عن استراتيجية القوة، التي عبرت عنها من خلال الصواريخ التي أمطرت بها إسرائيل. فقد أثبتت هذه السياسة عدم فعاليتها، فضلاً عن عدم شرعيتها بموجب القانون الدولي لأنها تستهدف مدنيين إسرائيليين.

ومن جانبها، يتعين على إسرائيل أن تدرك أنها إن كانت راغبة في العمل على النحو الذي يتفق مع قيمها الديمقراطية فلا بد أن تهجر استراتيجية العنف وعدم احترام حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين، هذا فضلاً عن التخلي عن فكرة (إسرائيل العظمى). باختصار، يتعين عليها أن تتقبل قيام الدولة الفلسطينية، من خلال الأفعال والأقوال. وإلى أن يحدث هذا فإن أياماً خطيرة تنتظر العالم قبل أن يتم تنصيب أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ولسوف يحتاج المجتمع الدولي إلى زعماء سياسيين أقوياء متزنين قادرين على استكمال المهمة الصعبة حتى النهاية.

ألفارو دي فاسكونسيلوز مدير معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية بباريس.-خاص الجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد