Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/01/2009 G Issue 13254
الأحد 14 محرم 1430   العدد  13254

لكل راوٍ قصة
هزاع بن ماجد الشليخي

 

تشكل الرواية العامية المتناقلة على ألسنة الرواة والمتوارثة من الأجداد ركناً أساسياً من أركان تاريخ شبه (الجزيرة) العربية، وخصوصاً منطقة نجد التي ظل تاريخها غير موثق لفترة من الزمن ليست باليسيرة.

كما تعتبر الرواية العامية أيضاً إحدى أهم الأدوات التي نستطيع بها رسم ملامح تاريخ أجدادنا والاقتراب قدر المستطاع من صورته الحقيقية، ولكن الراويات العامية تتعرض في كثير من الأحيان لمبالغات الرواة وجموح الخيال العامي كما تأثرت الرواية العامية سلبياً وخصوصاً في الفترة الأخيرة، حيث أصبح باستطاعة الجميع الطباعة والنشر وذلك في ظل الازدهار والرخاء الذي عمَّ مملكتنا العزيزة بعد توحيدها على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود - رحمه الله -، مما جعل بعضهم يوثق روايات خالطها النقص واعتراها التشويه المتعمد وغير المتعمد، فأصبحت الراوية العامية بسبب ذلك هدفاً للتشويه والتشكيك نظراً لتعدد أشكال الرواية الواحدة التي يكون مصدرها غالباً ضعاف النفوس الذين يتعلقون بأوهام الماضي محاولين بناء أمجاد لذويهم لم تبن من قبل أو التقرب من طرف بتقليل شأن طرف آخر في حين أننا الآن كيان واحد يجب عدم تفكيكه من قبل هؤلاء المدلسين الذين سببوا ربكة وتشويشا على الباحث المتبصر قبل غيره وجعلوه في حيرة من أمره لأنه لا يملك شيئاً من القوانين التي تساعده على رسم تلك الصورة موضوع حديثنا، وتجعل بحثه مؤطراً بشيءٍ من المصداقية لا يعترض عليها سوى هؤلاء المدلسين ومن وافقهم من أصحاب الأهواء الذين لا يعتد برأيهم.

ومن أهم الأمور التي يجب أخذها بالحسبان عند توثيق الرواية العامية (في نظري) أن تكون الراوية العامية مشهورة ومتواترة ومتعارف عليها حتى وإن تعددت أشكالها،وعندما يكون للرواية قصيدة فلا بد أن يكون قائلها معاصرًا للرواية وأن تكون ألفاظ قصيدته من نفس بيئة الرواية وأن يكون من المشهود لهم بالنزاهة الشعرية وإلا فإنه لا يعتد به، وأضرب مثالاً على ذلك يوم تثليث الذي جرت أحداثه في عام الفيل الذي ولد فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) حيث قامت قبيلة سليم ورئيسها عباس بن مرداس بغزو قبيلة زبيد ورئيسها عمرو بن معدي كرب الزبيدي ولم يكن في تثليث يومئذ إلا قبيلتي مراد وزبيد.

التقت القبيلتان وجرى بينهما قتالٌ شديدٌ قتل فيه ستةٌ من كبار مراد واثنان من كبار سليم، فقال عباس بن مرداس قصيدته المشهورة المعروفة (بالمنصفة) لأنه أنصف فيها أعداءه فقال:

لأسماء رسم أصبح اليوم دارساً

وأقفر منها رحرحان فراكسا

إلى قوله:

بجمع يريد ابني صحارٍ كليهما

وآل زبيد مخطئاً وملامسا

فلم أرَ مثل الحيِّ حيَّاً مصبحاً

ولا مثلنا لما التقينا فوارسا

أكرَّ وأحمى للحقيقة منهم

وأضرب مِنَّا بالسيوف القوانسا

وعلى ذلك أهيب بالرواة تحري الصدق وترك العنصرية وبالباحثين البحث بجهد لا يعرف الكلل. وبالعقلاء أن يساعدوا في نشر الرواية العامية الصحيحة وألا يتركوا المجال لكل من هب ودب الخوض في سرد ما يشاءون من أكاذيب وعدم الانخداع بروايات أرادوا بها رفع طرف على حساب طرف عبثاً ولكنها لا تزيدهم إلا ثبوراً.

للتواصل مع الكاتب

el.shileekhy@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد