تأليف: الدكتور الأديب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
|
|
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)
|
أدرك العالم (جوته) أن التراجم الذاتية والسيرة الحياتية ما هي إلا شكل من أشكال الرمز، والإشارة لقصة حياة حقيقية وتاريخية، ويرى أن الصدق المجرد فيها شيء من المستحيل، لأن الإنسان فيها لا يمك أن يقول الحقيقة الخالصة، فالصدق في التراجم الذاتية من أقواها وأصدقها -أي الفنون الأدبية تصويراً لحالة الإنسان. فهو يرى فيها أن الصدق يأتي نسبياً، والسبب يعود إلى عوائق تعترض سبيل المترجم نفسه، فيحور الحقائق الثابتة في حياته، ويميل إلى الإيحاءات والافتراضات المستقرة عنده في عقله الباطن واللاشعور، ويقول الدكتور إبراهيم عبدالدائم في كتابه التحفة (الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث ط: النهضة العربية) ما نصه: (إن دعوى عدم الصدق قوية للغاية، إذ ليس في وسعنا أن ننقل الحقيقة بأكملها، كما أنه ليس في وسعنا أن نتجنب عدم الدقة، ولكن كان (جورج مور) صادقاً حين قال في هذا الصدد إن المرء ليطالع ماضي حياته، مثلما يطالع كتاباً قد مزقت بعض صفحاته وأتلف منها الكثير). والحيرة التي تنتابني الآن هل ينطبق جل هذا الكلام على ما كتب من سير ذاتية، وسيرة حياتية بأجمعها وأكملها، بل من وجهة نظري الذاتية وإن كنت أعترف من وجهة نظري القصيرة المدى أن هناك سيراً ذاتية كسرت هذه القاعدة ف(الأيام) لعميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين) و(حياتي) لأحمد أمين. ولا أعتقد أنني أجانب الحقيقة، وأخالف الصواب إن قلت: (أن رسم على أديم الزمن) بكل أجزائه الأحد عشر يحكي الحقيقة، ويمعن في الصدق، فالدكتور الخويطر -حفظه الله- استشف من حديثه الصدق والصراحة والأمانة، ودليلي على هذا الرأي أمران: أولهما: أن البر ما اطمأنت إليه النفس، الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. وثانيهما: أن الحديث إذا خرج من القلب دخل القلب، وأما إن كان من غيره لم يتجاوز الآذان، وعلى القارئ أن يضع كتاب الأديب الخويطر (رسم على أديم الزمن) تحت المعيارين السابقين ثم يحكم على هذه الذكريات بالصدق أو تحريف الحقيقة. الخويطر لا يعرف التحريف والتلفيق ولي الحقيقة، وأعتقد أنه إذا أراد الابتعاد عن الحقيقة فهو لا يطرق الحديث مطلقاً، وقد يتميز هذا الكتاب (رسم على أديم الزمن) عنواناً ومضموناً، والله يزرق من يشاء بغير حساب، وفي ظني للمرة الثانية بل هي الحقيقة أن يجمع الله الناس في واحد. ومن تتبع مؤلفاته عرف ما عرفته، وآمن بما أيقنت حقيقة عن الخويطر. وفي حديثي عنه أشعر أني أدخل عملاقاً في عنق أنبوبة صغيرة. وهذه الصورة أخذتها من وصف الخويطر الأديب للأستاذ حمد القاضي الأديب وذلك في كتابه (نز اليراع)، وما أجملها وأدقها وأصوبها.
|
والحديث ذو شجون وعليَّ أن أعود إلى الكتاب لأتحف القارئ بشيء من درره وجواهره وأسأل الغواص عن صدفات هذا البحر الزاخر المترامي الأطرف.
|
أنا البحر في أحشائه الدر كامن |
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي |
وبين ناظري الكتاب في طبعته الأولى، وهو من نسيج يراع دار القمرين للنشر والإعلام ويقوم على رأسها، ويستوي على هرمها الأديب الطُلعة حمد بن عبدالله القاضي -حفظه الله ورعاه- وأما أديبنا وأريبنا الذي نحن بصدد الحديث عنه، فيقول في مستهل المقدمة الميمونة (هذا الجزء فيه سجل سنتين (1958 و1959م) شهدت أولاهما وفاة والدي -رحمه الله- وكان فقده عظيماً، والحزن عليه عميقاً والألم ممعناً إذ لم يستطع الطب أن يتغلب على الشيخوخة).
|
والعجيب اعتماده على الذاكرة في سياق أحداث حياته، رغم تقادم الزمن، وتطاول الحقب والسنين، والخويطر يرى في والده مثلاً أعلى، وهو على الإعجاب محق كل الحق لاسيما أن تعرف أن أديبنا الخويطر بفضل هذا الوالد كان أول رجل في المملكة حصل على درجة الدكتوراه من إنجلترا، يقول في وصف مشاعره نحو والده (كانت الصدمة عليّ قوية عندما جاءني والدي إلى لندن وهو ضعيف البنية ولم يكن به إلا الكبر، والكبر لا دواء له، والصدمة الكبرى بعد عودته عندما جاءني نبأ وفاته -عليه رحمة الله). وعلنا نتساءل عن فحوى الكتاب، فالكتاب كبير ويتناول أموراً شتى من رفقاء صالحين، ومن مدرسين متعاونين، وخطاباته مع أهله وإخوانه وهي مصورة بخط اليد، وقد لاحظت تشابه خطوط هذه الأسرة الكريمة كالأخت منيرة، والأخ حمد، أما التطابق بين الخويطر وخط والده لا ينازع فيها منازع حتى التوقيع وأسلوب الخويطر فيه استطراد جاحظي. وجاء الكتاب من ذكريات دونت من أخرى قبعت في الذاكرة وظهر فيها أسلوب الاستطراد، فالخويطر يعرف أن الاستطراد سلطان لا يقاوم ولا ينازع. هذا وقد عاصر الخويطر أحداث الحرب العالمية الثانية وعرج على سلبياتها وفتكها بالمجتمع ومن هم يعيشون فيه، وله حول هذه الوقفة قول يقول فيه (خرجت من إنجلترا وقد بدأت تزهر شجرة آثار السلم فيها، وتلبس حلة قشيبة قطعة قطعة، القطعة الأولى لستر العورة والثانية للدفء والثالث للأناقة، وهكذا أخذت تفك قيودها قيداً قيداً). وأخيراً: فقد ظهرت علامات النبوغ، وملامح الذكاء منذ صغره لاسيما تبوءه المراكز الأولى في دراسته من الطفولة إلى بزوغ إمارات الرشد. كان عاشقاً للكتاب، متيماً بحب العلم والمعرفة، وفي هذه الأجزاء التي تفوق العشرة نلمح ملامح عظمته، وسمات نبله، وهمة نفسه وأخذه الدنيا غلاباً.
|
عنوان التواصل: |
ص ب 54753 الرياض 11524 |
فاكس 2177739 |
|