علمتنا سنوات التعامل مع الكيان الإسرائيلي طوال عقود الصراع العربي الإسرائيلي، أن الكيان الإسرائيلي لم يستجيب ولا ينفذ أي قرار أممي سواء صدر عن مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو أي منظمات دولية إلا إذا واكب ذلك القرار ضغط دولي قوي، أو إذا شعر المسؤولون في هذا الكيان العدواني أنهم سيكونوا الطرف الأكثر ضرراً إن لم ينفذوا ذلك القرار، ولأنهم يستندوا على (الدرع الغربي) الممثل في ثلاث دول تمتلك سلاح الفيتو فإنهم يفلتوا من العقاب الدولي عندما يتمردون على الشرعية الدولية ورفضهم للقرارات الأممية.
ولهذا فإن التعامل مع هذا التمرد الإسرائيلي وعلى ضوء الخبرة العربية المتراكمة المبنية على تعامل طويل مع عدو خبيث وعلى انحياز غربي دائم، يفترض أن يصاحب إصدار أي قرار دولي عمل عربي مساند متخذاً كل ما يمكن من المسارات السياسية والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية.. وحتى التحركات العسكرية إذ تطلب الأمر. وهذه المسارات يمكن تفعيلها من خلال توزيع الأدوار على الدول العربية وتوظيف القدرات والإمكانيات لدى كل دولة، وقد استطاعت الدول العربية تحقيق نتائج باهرة وقت كانت الدول تجمعها وحدة الموقف ووحدة الكلمة، قبل أن تشق صفوفها قوى إقليمية وأخرى دولية يعرفها المواطنون العرب ولا داعي للدخول في تشعبات هذا الأمر لأننا سبق وأن تكلمنا عنه كثيراً.
المهم لا يزال في البقية الباقية من الدول العربية الخير وتستطيع من خلال ثقلها الدولي ومكانتها العالمية وقدراتها الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية قادرة على دعم ومساندة القرارات الدولية التي تعيد للعرب حقوقهم المسلوبة، وهذا ما يجب أن تفعله الدول العربية القادرة لدعم القرار الدولي 1860 الذي استطاعت الدبلوماسية العربية تأمين إصداره من مجلس الأمن الدولي وبأغلبية 14 صوتا وامتناع أمريكا، ويعد هذا تصويتا إيجابيا بالرغم من أن امتناع أمريكا عن التصويت يضعفه ويجعل من إمكانية تنفيذ بنوده إمكانية ضعيفة ما لم يدعم بتحرك عربي قوي وفعَّال وإيجابي، وهو ما تقوم به مصر بدعم من باقي الدول العربية باستثناء من لهم توجه يعرف الجميع إلى ماذا يهدف، فالأخوة المصريين الذين طرحوا بتزامن مع تحرك الوفد الوزاري العربي وبتنسيق مع الدول المؤثرة مبادرتهم الهادفة إلى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة والتي سميت بعد ذلك بالمبادرة المصرية والتي كشف الرئيس حسني مبارك عن بنودها بعد لقائه بالرئيس الفرنسي ساركوزي الأخير في شرم الشيخ والتي تتأسس على عناصر ثلاثة وهي:
أولاً: قبول إسرائيل والفصائل الفلسطينية لوقف فوري لإطلاق النار لفترة محددة.. بما يتيح فتح ممرات آمنة لمساعدات الإغاثة لأهالي القطاع ويتيح لمصر مواصلة تحركها للتوصل لوقف شامل ونهائي لإطلاق النار.
ثانياً: دعوة مصر كلا من إسرائيل والجانب الفلسطيني لاجتماع عاجل من أجل التوصل للترتيبات والضمانات الكفيلة بعدم تكرار التصعيد الراهن ومعالجة مسبباته بما في ذلك تأمين الحدود، وبما يضمن إعادة فتح المعابر ورفع الحصار، واستعدادها للمشاركة في مناقشة ذلك مع الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، ومع الاتحاد الأوروبي وباقي أطراف الرباعية الدولية.
ثالثاً: تجديد مصر دعوتها للسلطة الوطنية ولكافة الفصائل الفلسطينية للتجاوب مع الجهود المصرية لتحقيق الوفاق الفلسطيني، باعتباره المتطلب الرئيسي لتجاوز التحديات التي تواجه شعبهم وقضيتهم.. في الظرف الخطر الراهن وفي المستقبل.
وقد شهدت القاهرة اجتماعات وتحركات لتنفيذ بنود هذه المبادرة حيث تردد على العاصمة المصرية مبعوثون من حركة حماس التي أرسلت اثنين من قيادتها في دمشق وبعد التباحث مع المسؤولين المصريين عادا إلى دمشق ليعودا مرة ثانية للقاهرة، بالإضافة إلى وفد حمساوي آخر قدم من غزة بعد أن نجح المصريون في تسهيل مرورهم من رفح بالتفاهم مع الإسرائيليين وإضافة إلى وفد حماس زار الشخص الثاني بوزارة الحرب الإسرائيلية القاهرة مرتين حاملا المقترحات المصرية وردود ما يسمى بالوزارة الأمنية الإسرائيلية المصغرة وتصاعدت الجهود المصرية بوصول الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أعلن دعمه للمبادرة واستعداد السلطة الفلسطينية تنفيذ ما يخصها في هذه المبادرة مؤكداً بأن المبادرة المصرية هي الآلية التي ستنقذ القرار 1860، وهذا القول يكتسب أهمية خاصة في ظل ما تسرب من مصادر قريبة من حماس بأنها لم تبد تحفظات جذرية على المبادرة.. وحتى تحفظاتها الخاصة بوجود مراقبين دوليين وفتح المعابر وعدم اعتراض وصول المواد الغذائية والطبية وكلها بنود تضمنتها المبادرة إلا أن للحمساويين تحفظات على آليات تنفيذها، وتوقيتها وهل تسبق وقف العدوان، أو تتبعه، المهم أن الجانب المصري يسعى لتذليل الاعتراضات والتحفظات سواء من جانب إسرائيل أو حماس من أجل أن تضمن تنفيذ بنود القرار 1860 موظفة مكانتها الإقليمية ومستثمرة التنسيق مع الدول المحورية العربية الأخرى لوقف عدوان اسرائيل بأسرع وقت.
jaser@al-jazirah.com.sa