- أمريكا..
بدأت تترنح لفلسفتها الغريبية والشاذة في ترؤس العالم وترويضه..
وللجوئها إلى التمظهر بأدوار وأقنعة مستعارة..
ولسياساتها غير الواضحة والمبهمة وذات المغزى..
لأمريكا حاله مثل حالات نقار الخشب..
هذا النقار يضرب على جذوع الأشجار..
بقوة ليميت هذه الأشجار ويزيحها من طريقه..
لكي تنفتح له الرؤية..
وتتضح له معالم الطريق..
لكنه سرعان ما يفقد هذا الطائر النقار منقاره كله أو جزء منه.
- أمريكا..
تبدو كظل أخذ بالتهالك..
وكاستقامة أخذت شكل الانحناء..
وكحوت بدأ يتهاوى..
جسدها البلوري صار له لون الفحم الحجري..
وجوها الصافي صارت له غيوم داكنة سوداء..
نورها المشع بدأ بالتلاشي..
ونهاراتها المضيئة صار لها لون العتمة..
وحتى رياحها المنعشة أصبحت مثقله بالرطوبة..
دفئها الأخاذ أخذ بالانكماش..
وأخذ يتسلل إليه برودة الطقس القطبي..
وعتمة الليل السرمدي..
ورياح الشمال العاتية..
- أمريكا..
بدأت تلملم أسمالها..
وتستدير..
لتصبح مثل زهره نمت بزهو ثم ماتت بخيبة..
صوتها العميق..
بدأ يخفت..
صار منهمكا..
يمتزج فيه ذرات الغبار..
وهلام الظلمة..
ووحشة البيد..
- أمريكا
بدأت تضمر وتضمحل..
لتشعب صوتها..
وتشعب فعلها..
وتشعب جبروتها..
وتشعب نفاقها..
وتشعب تمردها..
وتشعب عملها المموه..
وتشعب أصول لعبتها السياسية..
وتشعبت مصالحها..
وتشعب عطاؤها المتبوع..
حتى صارت مرهقة..
وصارت مرتبكة..
وصارت مرتجفة..
وصارت لا تعي بعقل ما يدور..
لأنه أصبح لها أكثر من وجه..
وأكثر من عين..
وأكثر من أنف..
وأكثر من أذن..
وأكثر من ازدواجية..
وأكثر من استراتيجية..
وأكثر من خطة..
وأكثر من تخبط..
وأكثر من تبديل موقف..
وأكثر من تبديل مبدأ..
وأكثر من نكران صداقة..
وأكثر من كذبة..
وأكثر من بشاعة..
وأكثر من سرعة تغير..
وأكثر احتضانا لأعداء الأمس..
وأكثر التصاقا بسفاحي الأمم..
وجلادي الشعوب..
ومصاصي الدماء..
ولاعقي الجروح الصدئة..
ولابسي الاقنعة..
ومخربي الأرض الإنسانية..
والنظام العالمي..
وأكثر تقربا من طوائف المنافقين..
ومنظمات المرتزقة..
والمارقين..
والخوارج..
وأصحاب الهوى..
والمتسكعين..
وندامى العهر..
ومعاقري الكذب والبهتان..
وأكثر بعدا عن العقلاء..
ومحبي الخير..
وأصحاب الرؤى السديدة..
والنظريات العاقلة..
والأفعال الجليلة..
والمواقف الشهمة..
والأقوال الصادقة..
- أمريكا..
لها أقل من عدالة..
وأقل من قيادة..
وأقل من حكمة..
وأقل من حياء..
وأقل من حفظ الوعد والعهد..
وبنود التعاون والاتفاق..
- أمريكا..
تحاول سحب نفسها من الظلام باتجاه الضياء..
لكنها ضاعت..
كون حركة أعضائها بدأت بالطراوة والكسح والارتعاش..
ولا تقوى على الركض في عرض الممر..
وأصبحت محصورة بين دفتين:
دفة هبت الريح..
ودفة لهب الفتيل المشتعل..
- أمريكا..
مثبتة الآن في عنق زجاجة..
موضوعة على خشبة مسمرة في الحائط..
مابين الأرض والسقف..
لها انتفاخ الحيطان..
ونتوءات وبروز الأرض..
وقشور تربة بعد يوم عاصف بالمطر..
- أمريكا..
تجلس الآن على اخمصيها..
مادة بصرها نحو الخارج..
يتصادى صوتها مترددا في فراغ كبير..
لا هي قادرة على المنام فتنام..
ولاهي قادرة أن تتمدد خوفا من الخفوت أكثر..
- أمريكا..
تهتز الآن وتتحرك متدانية ومتباعدة..
صوتها ضائع ومختف..
جيوشها الجرارة متعبة..
وأحصنتها مريضة..
وفرسانها من ورق..
وسيوفها بلا قعقعة..
حروبها سوداء..
غبارها كثيف..
دخانها رمادي..
رؤاها ضبابية..
وحكمتها طائشة غير سديدة..
- أمريكا..
عليها أن تعود بوجه وديع حالم عادل رزين إذا أرادت استمرار السيادة والقيادة..
وعليها أن تودع بلا رجعة نكبات عمرها..
ووحشة ظلامها..
وسفرها المرير..
واشتعال غاباتها..
وحقول أوجاعها..
وثيرانها الحمقى..
وبقراتها المتردية..
وسنينها العجاف..
وكهولها الشهب..
وعجائزها السمر..
وأن تفتح نوافذها الموصدة لأصوات العقل..
وان تزين حدائقها بزهرات الياسمين..
وأن ترتق ثيابها الممزقة بخيوط الحرير..
وتدخل علينا من مرايا لا يلاحقها الهم..
ورائحة الحانات والبارود..
وحتى تهطل علينا نجما جديدا..
يقذف علينا أشعة الضياء..
وتصبح عصفورا ملونا يعلمنا الغناء الجميل..
وتمنحنا فراشات تطير بأجنحتها إلى أقصى الربيع..
محملة بأناشيد البدر المكتمل..
ومواقد الشموع الخافتة..
محطة:
لتعرف أمريكا أن التماسيح المتمردة والمغرورة بقوة فكيها وذيلها سوف لن تستمر لها السيادة بسبب الخطيئة.
ranazi@umc.com.sa