سؤال قصير وجهته لنخبة من الأصدقاء تباينت ردودهم ما بين رسالة هاتفية قصيرة أو مكالمة هاتفية طويلة.. ويجب أن أعترف أن ردات الفعل هذه أذهلتني فلم يسبق أن استجاب لرسائلي التساؤلية هذا العدد وبهذه السرعة والإلحاح.. وكأني ببعضهم قد أيقظه السؤال.
أتت الردود ما بين جالد للذات أو ساخر من السؤال أو مقر أن هذا سؤال وجيه إجابته مطلوبة.. فهناك من تساءل عن الوعي وهل هو موجود فعلاً.. ومن رد أن الوعي موجود لكنه بالسالب.. وهناك من قال إن تضاريسه شاقة.. وغاباته مظلمة.. ومساراته موحشة.
هناك من قال: بما أن الوعي متغير فكيف يكون له جغرافيا فالجغرافيا ثابتة؟.. وهناك من قال: إذا كنا نقول إن للوعي جغرافيا يمكن وصفها فلا بد أن يكون له تاريخ.. وهناك من قال: إن الوعي أنواع فعن أيها تحكي؟.
إذا قلنا إن للزمان والمكان والمحيط تأثيراً في صناعة الوعي وتكوينه.. ألا يعني هذا أن للوعي جغرافيا وأن له تاريخاً؟.. لكن ما هي محددات الوعي وما هي وسيلة قياسه.. وهل له تفاصيل وأطر يمكن وصفها كما توصف التضاريس والمناخ وعوامل التعرية؟.
وقبل إجابة سؤال: هل يوجد جغرافيا للوعي في المملكة.. دعونا نثير المزيد من الأسئلة فنحن مثلاً نعرف التزام السعوديين من سياح أو طلبة مبتعثين بأنظمة المرور في البلاد التي يسافرون إليها.. يقل هذا الالتزام كثيراً عند عودتهم إلى المملكة.. فهل نقول إن الوعي يتشكَّل بتأثير الجغرافيا فيرتفع في مكان ويقل في آخر.. أم أن مستوى الوعي في المجتمع يؤثر في درجة وعي الفرد الذي يعيش فيه ارتفاعاً أو انخفاضاً؟.
لا شك أن الاحتكاك بالثقافات الأخرى.. والتعرض للأفكار المختلفة.. والتحصيل العلمي والمعرفي.. والتجارب الحياتية المكتسبة وغيرها تخلق تنوعاً في حالات الوعي بين ارتفاع وانخفاض.. وتوازن وتطرف.. وبرودة وسخونة.. وحِدة وليونة.. وقساوة ونعومة... إلخ.
وإذا أمكننا اعتبار أن التاريخ هو رواية أو قصة الوعي.. وأن الجغرافيا هي مسرحه أو الخشبة التي يلعب كل منا دوره عليها.. وحيث إن المملكة شبه قارة فيها مجتمعات ذات أعراق ومذاهب وبيئات متنوعة لها احتكاك وصلات مختلفة.. فمن الطبيعي أن تتنوع جغرافيا الوعي فيه.. فهل لدينا دراسة أو قراءة لجغرافيا الوعي في المملكة؟.
أتفق مع ما جاء على لسان الأمير خالد الفيصل في أننا جديرون بأن نكون ضمن مجتمعات العالم الأول.. وهذا لن يكون دون معرفة خريطة الوعي في مجتمعنا لتوجيهه وتحفيزه للتخلص من القيم والمفاهيم المعيقة حتى نستطيع أن نكون فعلاً في ركب العالم الأول.