من أصعب الأمور التي تراود التفكير عند الرغبة في الكتابة أن يكون موضوعها هو سِيَر الأعلام أو التأريخ الأسري؛ لأن هذه الكتابة تلامس حساسية الإنسان تجاه انتمائه ومفاخره. ولن أبالغ إذا قلت إنها تقتحم حمى عصبيته بغض النظر عن نوعية هذا الحمى ومناخه الحار جداً أو البارد جداً!
وحينئذ فستكون الأعين الناقدة متربصة أشد التربص بمن يتصدى لهذه الكتابة، ناهيك أن يسلم من الألسن القادحة التي لا يرضيها إلا أن يدور المكتوب في الفلك الذي يرضيها ويشبع رغباتها وتطلعاتها وما ترسمه تصوراتها.
والأخ الدكتور محمد بن ناصر الشثري لم تنقصه الشجاعة للخوض في هذا الميدان المشبع بالخطورة غير هياب فأصدر هذا العام 1429هـ ( 2008م) عن دار الحبيب بالرياض الطبعة الأولى من كتاب (آل الشثري علماؤهم وتأريخهم ) معتمداً على ما توافر له من معلومات قيمة، وكان سلاحه الذي أشهره أمام القراء في مفتتح كتابه الوثائق التي يقال إنها لا تكذب، فكيف إذا كانت نادرة وصريحة وواضحة تعبر عن نفسها وما تؤكده من أهمية ما يريد الدكتور محمد أن يعلنه للناس منشوراً!
أعلن المؤلف في بداية كتابه أنه استشعر أهمية دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله التي انطلقت من نجد وآزرتها حتى استوى عودها واستغلظ كثيرٌ من الأسر النجدية، ومنها أسرة آل الشثري فطفق يبحث عن صور هذه المؤازرة متطلعاً إلى أن يكون تأليفه مقدمة لتآليف أخرى عن الموقف الداعم للدعوة من الأسر الكريمة الأخرى ينوء بحمله أبناؤها البررة كما فعل مع أسرته.
وبعد ذلك قسم المؤلف كتابه إلى فصلين، ففي الفصل الأول قاد قطار (سِيَر الآباء والأجداد) فتوقف أولاً في محطة الحديث عن والده الكريم معالي الشيخ ناصر بن عبدالعزيز بن محمد الشثري أطال الله عمره في طاعته مبيناً ثقافته الدينية ومصادر تلقيه العلم ومكانها وكيفيتها ومشايخه وطلابه ودراسته ومناصبه العملية وعلاقته بملوك المملكة العربية السعودية وبذله ماله وجاهه للناس.
وبعد أن واصل قطار السِّيَر مسيره توقف في المحطة الثانية عند سيرة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري المتوفَّى سنة 1387هـ وهو جد المؤلف حيث أثبت ترجمة كتبها فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين أطال الله عمره في طاعته وهو تلميذ العَلَم المترجم له حيث أوضح فيها فضيلته نسب شيخه وسعيه في طلب العلم وصفاته ونبذة عن أخلاقه وآدابه وتلامذته وآثاره العلمية.
ثم توقف قطار السِّيَر بعد ذلك في المحطة الثالثة عند الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم الشثري المتوفى عام 1271هـ حيث نقل المؤلف ترجمته عن مخطوطة كتبها الشيخ عيسى بن إبراهيم الشثري المتوفى سنة 1294هـ الذي استطرد في ذكر نسب الشيخ عبدالعزيز ونشأته وأخلاقه وحجه الذي توفي فيه.
وفي المحطة الرابعة توقف قطار السِّيَر في محطة الشيخ محمد بن علي الشثري حيث لم تتضح سنة وفاته غير أن الملك عبدالعزيز رحمه الله زاره في منزله سنة 1319هـ.
وتزينت المحطة الخامسة لاستقبال قطار السِّيَر في ضيافة الشيخ عيسى بن إبراهيم الشثري المتوفى سنة 1294هـ، وكان من المشاركين في معركة أهل الحوطة مع الترك وله مراسلات مع الإمام فيصل بن تركي سنة 1257هـ أثبت نصها وصورتها المؤلف في كتابه، وممن رثاه الشيخ حمد بن عتيق برسالة أثبتها المؤلف بنصها وفصها.
وكانت سيرة الشيخ صالح بن حمد الشثري المتوفى سنة 1309هـ في استقبال قطار السِّيَر في محطته السادسة وقد تضمنت شيئاً عن نشأة الشيخ وتلامذته ومؤلفاته واستشهاد الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ بعلمه ومبايعته للإمام سعود بن فيصل وما فيها من نصائح ووعظ يدل على سعة علمه وجرأته في الحق.
وفي المحطة السابعة رفعت أعلام الشعر والقصائد عند الحديث عن الشيخ إبراهيم بن حمد الشثري المتوفَّى سنة 1255هـ، فقد أورد المؤلف شيئاً من قصائده وما قيل عنه في كتب التراجم والسير وموقفه من الأتراك وشعر الحماسة الذي ألهب المدافعين عن البلدة.
وكانت الشذرات والإلماحات سمة المحطة الثامنة حيث تحدث المؤلف في عدد قليل من الأسطر عن الشيخين ناصر بن غانم الشثري وعيسى بن محمد بن سهل الشثري.
وفي الفصل الثاني تحدث المؤلف عن تاريخ الأسرة تحت عنوان (آل شثري الأفلاج الحرقان) حيث تحدث في المبحث الأول عن أهمية بلد الأفلاج تاريخاً وتراثاً، وأهم القبائل التي كانت تسكنها والرحالة الأجانب الذين زاروها وطبيعة أرضها الخضراء، وعن علمائها ومؤلفاتهم. ثم أورد في المبحث الثاني ما كتبه الشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب عن الشثور في بلد الأفلاج، ليخصص بعد ذلك المبحث الثالث للحديث عن تأريخ الأفلاج نقلاً عن ابن مشعي في كتابه الكنوز الشعبية، وليتحدث في المبحث الرابع عن قبيلة الحرقان قحطان ونسبهم وفروع قبيلتهم والحالة الدينية والاجتماعية والاقتصادية للعرين قديماً وحديثاً نقلاً عن الشيخ سعيد ابن جازعة، وليختم المبحث الخامس بما أورده الجرموزي في تحفة الأسماع عن وصول أمير نصيف البديع الشيخ غنام الجميلي إلى الإمام المتوكل باليمن وما صاحب ذلك من أحداث.
وفي الفصل الثالث أورد المؤلف مقتطفات من تأريخ الشثور، فنقل ما كتبه عبدالله آل لحيان عن الشثور في الأفلاج. وخصص المبحث الثالث للحديث عن معركة أهل واسط مع الأتراك.وتناول في المبحث الرابع الحالة الاجتماعية في الأفلاج خلال إمارة الشثور.
وفي المبحث الخامس نقل من أفواه الرواة مقتطفات عن وادي شثر، والجو، وقرية النقية، والشثور وليلى، ومساكن الشثور قديماً.
وألحق المؤلف بكتابه ملحقاً أثبت فيه صور وثائق مهمة منها صورة رسالة مؤرخة عام 1382هـ من الملك فيصل الأمير فيصل آنذاك للشيخ عبدالعزيز الشثري يشكره على نصيحته ويدعوه إلى تكرار مثلها. وصورة رسالة من الشيخ صالح الشثري إلى الإمام سعود بن فيصل. وصورة رسالة من فوزان بن عبدالعزيز إلى الشيخ محمد بن علي الشثري فيها إشارة لبعض مشايخه ودروسهم العلمية في وقته. وختم بصورة رسالة الإمام فيصل بن تركي للشيخ عيسى الشثري.
وفي عموم القول يقال: إن كتاب (آل الشثري علماؤهم وتأريخهم) يعد إضافة مهمة للتأريخ الوطني في مجال مهم وهو تاريخ الأسر بمواقفها الوطنية وبعلمائها وجهودهم العلمية لاسيما في فترة عانت من الشح المعرفي إلى درجة أدخلتها أحياناً في بحار المجهول وصحراء التكهنات.
ونتطلع إلى أن يفي الأخ الدكتور محمد بوعده فيخرج لنا في الجزء الثاني الذي وعد القراء به عملاً علمياً متميزاً بمنهجيته واستقصائه تحت عنوان (أعلام آل الشثري)، نتعرف من خلاله على عدد أكبر من أعلام هذه الأسرة الفاضلة وعلمائها ومفكريها المعاصرين في مختلف مجالات الحياة من شريعة وطب وهندسة وتجارة ومناصب حكومية ومجالات خيرية وغيرها.
نحن بحاجة للتعرف على سير هؤلاء المعاصرين ممن لهم جهود علمية مباركة إفتاءً وتأليفاً وإعلاماً ومشاركة اجتماعية ظافرة بالخير والرشد كمعالي الشيخ سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء والدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الشثري وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغيرهما من أعلام هذه الأسرة وتجارها الذين كانت لهم مواقف شامخة في الحرص على نقاء الكسب وبذله في الخير كالشيخ خالد بن ناصر الشثري وأخيه سعود وهم كُثُرٌ بفضل الله.
وبالله التوفيق.