جاء في جريدة عكاظ: (أصدر ديوان المظالم بجدة حكماً يقضي بإلزام المباحث الإدارية بالطائف تعويض مواطن مبلغ 135 ألف ريال بسبب إيقافه لمدة 9 أشهر في قضية تزوير وتبين لاحقاً براءته منها. ووفق التفاصيل التي تابعتها (عكاظ) أمس من مقر ديوان المظالم فإن الدائرة الإدارية الثالثة عشرة نظرت الدعوى القضائية التي رفعها مواطن ضد إدارة المباحث الإدارية بمحافظة الطائف بعد إيقافه 9 أشهر في قضية تزوير تبين لاحقا أنه بريء منها). ويقول الخبر: (رفضت إدارة المباحث الإدارية الحكم وطالبت باستئنافه، وقدمت لائحة اعتراض طالبت فيها بصرف النظر عن الدعوى، وتم رفع الحكم لهيئة التدقيق بالرياض للفصل فيها).
هذا الحكم، وعلى هذه الجهة الأمنية بالذات، يدل دلالة واضحة على أن الإنسان في هذه البلاد محفوظة حقوقه، أمام أي جهة، مهما كانت. المباحث الإدارية جهة حكومية تعمل على مراقبة الانحرافات الإدارية، ومع ذلك ليست معصومة من الخطأ؛ عندما تخطئ تنتقل من موقع المدعي إلى موقع المدعى عليه، وتحاسب مثلما تحاسب أي جهة أخرى؛ تماماً كما يُحاسب من تراقبهم.
وإذا كانت مهمة الكاتب النقد، وتبيان الخلل، فإن من مهامه - أيضاً - (الاحتفاء) بمثل هذه الأحكام التي تجسد العدالة في بلادنا؛ فالعدل أساس الملك كما يقولون، ولا أحد فوق الشرع، وليس لأحد إذا ما أخطأ حصانة.
ويُروى في تاريخنا: (أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذاً، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين). ويعلق أنس بن مالك - رضي الله عنه - كما في الرواية: (فضرب؛ فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
ويُقال: (إن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الشهير قابل كاتباً بريطانياً يبدو عليه الانفعال وهو يردد أن بريطانيا العظمى انتهت بعدما ظهر عليها الوهن في نهاية الحرب العالمية الثانية، وخسرت معظم مستعمراتها. فسأله تشرشل عن رأيه في القضاء البريطاني، أجاب الكاتب بأنه الوحيد الذي ما زال عظيماً، رد تشرشل بلهجة واثقة: إذاً بريطانيا ما تزال عظمى، بريطانيا ما تزال بخير)!.
القضاء - أيها السادة - أهم وأخطر المؤسسات في أي مجتمع؛ صلاحه صلاح وبقاء للدول، وفساده وانحرافه نذير شؤم بانهيار العدالة في المجتمعات. إلى اللقاء.