معلوم أن الإسلام حكم على العصبية حكماً صارماً، واعتبرها وسيلة من أشنع وسائل الظلم الجاهلي. والعصبي هو من يعين قومه على الظلم، وفي الحديث (ليس منا من دعا إلى عصبية). ورغم هذه الأحكام الصادرة ضدها فإن العصبية أثرت ولفترات طويلة على عقليات العرب القدماء، وامتدت إلى عصر بني أمية في الشام، والعباسيين في العراق، وفي كثير من دول العالم في فرنسا وإسبانيا وإفريقيا، هذا علاوة على ما كانت عليه جزيرة العرب وما شهدته من تناحر واقتتال بين أبناء القبائل رغم أن الحروب التي دارت بين قبائل الجزيرة العربية المختلفة قبل الإسلام، والتي تعرف بأيام العرب، كان سببها الرئيسي الظروف الاقتصادية.
وحقيقة الأمر فإن هذه النزاعات استمرت بعد الإسلام وتكوين الدولة الإسلامية حتى هيأ الله لهذه الجزيرة حاقن الدماء وموحد الصفوف وجامع الشمل ومؤسس الكيان الشامخ جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - حيث أصبحت القبائل تنتمي إلى وطن واحد وإلى هدف واحد، فتوحدت الأفكار وانصهر الجميع في خدمة الدين ثم المليك والوطن، مع المحافظة على تميز وعراقة وأصالة هذه القبائل، وأصبح الجميع يدرك أن النعرات القبلية قد ولّت وانتهت، وأن التفاخر بالإسلام وحده والأخلاق الفاضلة والبذل والعطاء والوفاء بالوعود ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف.. وكل القيم النبيلة التي حث عليها الدين الحنيف، والتي كانت من أولويات الملك عبد العزيز وأبنائه الميامين.
إننا عندما نتحدث عن ذلك فإننا وبكل أسف نجد أن العصبية القبلية بدأت تأخذ طريقها إلى المجتمع من خلال بعض القنوات الفضائية التي حاولت ترسيخ المفهوم القبلي، فأضحت في برامجها ورسائل مشاهديها تساهم في هذا التوجُّه، وإذا استثنينا بعض هذه القنوات فإننا نحذر الأمة من هذا الشر خاصة أننا مجتمع يسوده الأمن والاستقرار، مجتمع متحاب يرفض رفضاً قاطعاً كل أشكال العصبية التي تخالف كل ما نصبو إليه، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، ألا يحق لنا أن نرفض كل ما يسيء إلى ديننا وقيمنا وأخلاقنا؟! فهل من مجيب؟!!