الشرق الأوسط أكثر المناطق في العالم التي أحوج ما يكون لها الغرب وأقل ما يفهم بواطنها. عندما غزت أمريكا العراق لم تكن تعلم التوجه بالنسبة للعراقيين حول غزوها لبلادهم، ولم تكن تعرف المدة التي سوف تمكثها فيه.
وعندما أطيح بتمثال صدام، المنصوب في الشارع الذي حمل اسمه، في عام 2003م، لربما كان ثلث العراقيين غير راض عن الغزو وثلث قد يكونون مرتاحين من التخلص من السلطة والثلث الباقي لا يعلمون ماذا سيحدث لبلادهم من جراء الغزو. كان العراقيون من المقاومين الذين لا يثبطهم مثبط ولا تهزهم تداعيات الأيام، لقد شاهدنا في وسائل الإعلام إبان القصف الأمريكي كيف أن الناس يخرجون إلى الشوارع في فترات توقف الغارات الجوية على بغداد. أيا ترى لا يزال الصمود والتحدي في نفوسهم الآن، أم حلَّ محله، ليس إحباطاً، بقدر ما يكون حزناً عميقاً؟
هنا لكم علامات استفهام حول ما تخبئه الأيام بالنسبة للعراق، مضى ربع قرن على نزاعهم مع إيران، الذي راح ضحيته مليون من الجانبين. باختصار، يمر البلد بمرحلة ما يكابده الجريح من بالغ الجراح. أما الغزاة فلقد فشلوا فيما كانوا يريدون تحقيقه، نتيجة لفشلهم في فهم تاريخ العراق، إن لم يكن في فهم المنطقة بشكل عام، من نواح اجتماعية وتاريخية وحضارية. بعد سقوط العراق كانت الإدارة الأمريكية تنظر إلى العراق في قالب السنة والشيعة والأكراد، ولكن العراق يتجاوز ذلك إلى تنوّع سلالي وثقافي واجتماعي واقتصادي. ذلكم الفهم، أو بالأحرى سوء الفهم، رسخ أو بلور التقسيم إلى ثلاث مناطق: سنية وشيعية وكردية. وهنالك علامة استفهام حول العراق على المدى القريب والمتوسط، أما على المدى الطويل فهنالك فرصة لتقوية العلاقة ومن ثم المصالحة بين فئات شعب العراق. ومثل ذلك لبنان الذي عانى من حرب أهلية لخمسة عشر عاماً، وبعبارة أخرى هنالك ما يدعو للتفاؤل على المدى الطويل للعراق ليظل وحدة غير قابلة للتفكيك.
أما العالم الإسلامي، والعراق جزء مهم منه، وكذلك إيران، فلقد وضع الغرب، على وجه الخصوص، الإسلام (سياسياً) في قالبين: إرهابي وأصولي. ويحاول الغرب إحلال (ديمقراطيته) محلهما، علماً بأن الإسلام له نزعة ديمقراطية من خلال أنموذج خاص به، تختلف عن الديمقراطية الغربية مضموناً وتتفق معها مظهراً. ولم يعرف الغرب المجتمع الإسلامي تكويناً، يضاف إلى ذلك سوء فهم لأوضاع بلدان مثل: مصر والأردن وسوريا ولبنان. ومن يتحدث، من الغرب، مع المسلمين يلحظ كيف أن هنالك محاولات للوصول إلى حلول للمشكلات العصرية التي يتصدون لها، وذلك من خلال نقد الذات، وهذا علامة على التقدم إلى الأمام. يظل هنالك فئات لا تقبل أسلوب الحوار المؤسسي، ولربما تجنح أحياناً إلى أساليب غير مشروعة ولا مقبولة.
وهنالك من المؤشرات العديدة ما يدل على أن ثمة طلاق بين أمريكا (إدارة) والإسلام، وإن كان الاعتراض على حزب، أو (حركة)، أو (تنظيم) مثل الإخوان المسلمين، فهنالك مشكلة مشتركة بين التنظيم وأمريكا من ناحية والحكومة المصرية نفسها، من ناحية أخرى. ولك أن تسأل: كيف يكون التوجه ديمقراطياً، في بلد ما، دون مشاركة ربع السكان؟ لا يوجد فرصة للديمقراطية إذا لم يكن هنالك وفاق، وما حصل في الجزائر يؤكّد رفضاً للمنظور الإسلامي بتأثيرات خارجية.
ودولة من أكبر الدول في إقليم الشرق الأوسط، مصر، التي تشكل لغزاً و(ركوداً سياسياً) يعمل عائقاً أمام حل العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويعيق تطور المنطقة (الفكر الشيعي)، الذي استغل ويستغل، من قبل أكثر من دولة، أكثر من أي وقت مضى، كما يشكل الوضع السياسي في الإقليم. لم يكن هذا (الفكر) يشكل وضعاً سياسياً في لبنان ولا في فلسطين، ولم يتخذ وسيلة لتوسيع الفجوة بين إيران والدول الأخرى في الإقليم، إلا من خلال، أو بعد، الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، التي تجير لدول مستفيدة منها.
أما ما يختص بلبنان فهنالك مؤثرات داخلية وخارجية تشكل أوضاعه: قوات حفظ السلام الدولية في جنوبه، وقضية الانتخاب الرئاسي، والجيش اللبناني، الذي طالما يقع في وسط الصراعات السياسية، والحركات الإرهابية في المخيمات، وحزب الله في جنوبه. ولقد عانى الجيش اللبناني من الحرب الأهلية، ولكنه وقف صامداً في طرابلس في شمال لبنان، عندما جابه حركات التمرد في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. الذي لا خلاف عليه أن بلداً مثل لبنان كان ولا يزال ضحية للصراعات الدولية حوله والمنتقلة إلى داخله: الفلسطينية - الإسرائيلية، الإيرانية - الأمريكية، السورية - الأمريكية.
وبالنسبة لإيران وتوجهها لتصبح (قيادية) في الإقليم، فلقد ساعد الغزو الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق على ذلكم التوجه، أو خدم التدخل الأمريكي في البلدين المصالح الإيرانية. لقد كانت إيران، في أواخر التسعينات، على وشك الدخول في حرب مع طالبان الأفغانية. سياسة إيران، الجانحة نحو التفوق، بنيت على ادعاء منها للدفاع عن مصالحها في الإقليم، في كل من العراق وأفغانستان. تمد إيران أكثر من ذراع نحو: العراق ولبنان وسوريا وفلسطين إلى غربها وأفغانستان وباكستان إلى شرقها، وما محاولات (التفوق) لإيران في المنطقة إلا نتيجة للسياسة الأمريكية في السنوات الثماني الماضية.
بقي على العرب أن يتحدوا توجهاً وانتماءً بمعرفة ما وحّدهم في الماضي ليوحّدهم في الحاضر والمستقبل: دينياً، ليس لهم بديل غير الإسلام، ثم يتلو ذلك ويصاحبه تعاون اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي وتقني. نضرع إلى المولى القدير أن يكون العام الجديد عام خير وسلام وأمان ورفاه لأمة الإسلام.