Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/01/2009 G Issue 13246
السبت 06 محرم 1430   العدد  13246
ما لا تستطيع أن تقوله الحكومات العربية (الآن).. العرب تبتلع (موس) غزة
د. علي بن شويل القرني*

 

وضعت حماس العالم العربي أمام مفترق طرق.. ومنذ يونيو 2007م والعالم العربي ومعه السلطة الفلسطينية يحاول أن يتفادى هذا الوضع الدموي الذي اختارته حماس، ولكن بدون جدوى..

واليوم يعيش العالم العربي - ومعه السلطة الفلسطينية - حالة صعبة من المواقف التي تندرج في التحويلات عن سير القضية الفلسطينية الأساسية.. والمواقف التي يعوزها التقدير الصائب للأمور والنظرة البعيدة للأحداث العامة..

حماس أرادت أن تضع العالم العربي في هذا المأزق، من أجل أن تخرج هي من مأزقها الذي وضعته لنفسها منذ يونيو 2007م عندما أقدمت على الانتحار السياسي بإعلان انفصالها عن السلطة الفلسطينية وفرض واقع جديد أدى إلى تجميد - بل تراجع - في خط القضية الفلسطينية الأساس، وتحوّلنا ومعنا جميع الفلسطينيين من جهود نحو السلام الذي يقود إلى تأسيس الدولة الفلسطينية، إلى جهود عربية تسعى إلى وأد الفتنة الداخلية، وتجميع الصف الفلسطيني، وبناء مواقف فلسطينيه داخلية موحدة.. وقد استغرقت هذه الجهود - دون نجاح - أكثر من عام ونصف، وانتهت بمأزق أكبر هو ما تعيشه غزة حالياً، وما يعيشه العالم العربي - حكومات وشعوب - جراء تداعيات الأحداث المتسارعة في المنطقة..

حماس وضعت العالم العربي في حالة من الذهول.. وقد يسأل المراقب ماذا تريد حماس من العالم العربي أن يعمل لإخراجها من مأزقها الذي وضعت نفسها فيه، بانقلابها على السلطة الشرعية الفلسطينية، وإزاحتها لكامل المؤسسات الرسمية في غزة، واليوم هي تستنجد بالسلطة الفلسطينية وبالعالم العربي والإسلامي لوقف عمليات القتل والتدمير الذي تقوم به إسرائيل يومياً، وتقتل من خلاله الأرواح وتسيل بسببه الدماء، وتدمر نتيجته البنية التحتية لمقومات الدولة الفلسطينية..

العالم العربي يعيش حالة ذهول، وكأنه يبتلع موساً - تلقمه من حماس - لا يستطيع أن يبتلع هذا الموس ليطرده من جسمه، ولا يستطيع أن يستعيده إلى خارج فمه من جديد.. فالعالم العربي لا يستطيع أن يعمل الكثير لتغيير واقع الأحداث التي تجري في قطاع غزة، فقد قطعت حماس أواصر العلاقة، وبدّدت كل الجهود العربية، وبعثرت جميع أوراق القضية خلال الثمانية عشر شهراً الماضية.. وارتمت في أحضان دولتين وحزب سياسي ليشكلوا برنامجها السياسي والعسكري في القضية الأساس.. قضية الشعب الفلسطيني.. تاركة السلطة الشرعية الفلسطينية وعشرين دولة عربية وباقي الدول الإسلامية والكثير من دول العالم التي تدعم حقوق الشعب الفلسطيني..

نحن نعلم جيداً أنّ الجميع يقف صفاً واحداً من أجل إنقاذ الوضع الذي تعيشه غزة، فقد أجريت الاتصالات السياسية على أعلى المستويات، وعقدت الاجتماعات في كافة المحافل العربية والدولية لوقف هذا التدمير الإسرائيلي للحياة الفلسطينية والإنسان الفلسطيني، وستتواصل الجهود في كل ناحية ومكان، لكن نظل نسأل لماذا وصلنا إلى هذا المستوى من التدني في الرؤية الإستراتيجية للأحداث التي نصنعها بأنفسنا، ونكتوي بنيرانها علينا..؟

لقد هبّ العالم العربي مستنكراً ومندداً بالعمل العسكري في قطاع غزة، وبدأت المساعدات الإنسانية من كل صوب تتجه إلى غزة، وتكثفت الاتصالات والاجتماعات في كل مكان في العالم العربي، كما تدشنت الصحف ووسائل الإعلام بالسواد والحداد على ما يحدث في الأراضي الفلسطينية.. كل هذا تعاطفاً مع الوضع المتردي واللاإنساني الذي تعيشه غزة وإخوتنا الفلسطينيون هناك.. كل هذه التداعيات والأمور أفرزتها القرارات السياسية والعسكرية لحماس، وبدا العالم العربي والإسلامي يتعامل من جديد مع تداعيات منظمات وأحزاب عربية تفكر من منطق منظمي داخلي بحت وبحسابات حزبية متفردة، من أجل أن تفرض واقعاً جديداً بأجندتها السياسية التي تسعى إليها..

إسرائيل ترحب وتبتهج لما يدور داخل الأراضي الفلسطينية، ولما أفرزته تلك المواقف من شرخ الوحدة الوطنية، وهدم البناء السياسي للقضية، وتأجيج الصراع الداخلي للسلطة السياسية.. إسرائيل ترحب وتبتهج بكل خطوات حماس التي تقوم بها، لأنها تستند عليها في تبرير ضربها للفلسطينيين وتدميرها للبنية التحتية لمقومات الدولة الفلسطينية.. إسرائيل ترحب وتبتهج بقرارات حماس في الانفصال، لأنّ هذا مدعاة لأن توقف كل جهودها - المضطرة إليها - في الدخول في مفاوضات سلام تنتهي بتأسيس الدولة الفلسطينية.

وما لا تستطيع أن تقوله الحكومات العربية الرسمية، وخاصة للرأي العالم العربي هو أنّ حماس وراء هذا التردي لأوضاع القضية الفلسطينية إلى هذا اليوم، وهي سبب تأزم الوضع الداخلي للفلسطينيين.. وهي التي تعطي لإسرائيل المبرر الذي تعلنه وتتمسك به في تبرير عدوانها المستمر على الأراضي الفلسطينية...

وفي ظني الشخصي أنّ حماس لن تعود إلى ما كانت عليه الأوضاع الشرعية قبل يونيو 2007م فستظل متمسكة بمواقفها الانفصالية، ولن نخرج من هذه الأزمة بدروس يمكن الاستفادة منها.. بل ربما تتحول حماس إلى مواقف أكثر تشدداً من مواقفها المتشددة أصلاً.. ولن نجني الكثير من الإيجابيات التي ينبغى أن تفرضها الأحداث الحالية.. هذا مجرد توقع، وأتمنى من قلبي ألاّ تصدق مثل هذه التوقعات..

* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد