رغم * أن الزوج والأب على قيد الحياة، ويمارس أقل مهام الحياة، لكنه لم يجد حرجاً وهو يتحدث عن سيرته بإنصاف وتجرد أن يصف زوجته وابنه بهذين الوصفين (أرملة ويتيم)، حيث أعلن التخلي عن حق القوامة والرعاية قبل موعد الرحيل الحقيقي. القارئ لا يهمه بطبيعة الحال من صاحب السيرة بقدر ما يهمه وقائع الحياة المريرة، والأشباه له كثر في هذا المجتمع؛ لذا فهو يتقمص حياة غيره أكثر من حياته، ويحاول أن يضع حداً لمعاناة الضحايا مهما كلفه الثمن، فالقضية في نظره قضية مجتمع لا تحتمل المدارة والمحاباة.
|
* الموضوع أشبه ما يكون برواية لأسرة صغيرة نكبت بزواج غير متكافئ، سناً وعاطفة، كانت نتيجته (اليُتْم والترمل) واقعاً لا حكماً. بشيء من الألم والحسرة يستعرض الراوي حياته ويقول: ((قاسيت الأمرين في حياتي استفظاعاً مني للجريمة التي سأرتكبها ضد تلك الفتاة البريئة بتعريضي إياها للترمل المبكر. والأدهى أن يقدر لي أن أنجب طفلاً يكون نصيبه اليُتْم إثر بروزه إلى الوجود، فيربى ويشب جاهلاً أباه، ومحروماً من عطفه ورعايته.. هذه جريمة اقترفتها لا تفوقها جريمة، أو تدانيها..)). والاعتراف بالخطيئة والتصريح بها عند (الرومانسيين) يعدان بمثابة التكفير عن الخطيئة، ورمز للطهارة ونقاء الوجدان.
|
* في مجتمعنا، وفي زماننا ما أكثر حالات الأرامل والأيتام الناتجة عن هذا النوع من الزواج، فضلاً عن أنه لدينا يعد عبادة في أصولها الحقيقية يتقرب بها الإنسان إلى خالقه، وهو ينشد الستر والعفة والتحصين والتكاثر. بهذا الغلاف تتغلف بعض الممارسات البشعة، ولا تستطيع الجمعيات الحقوقية - رغم الفرقة الإعلامية - أن تقتحم بعض الحصون، وإن لم تقم على أساس صحيح.
|
* الاختلاف في السن من الطبيعي أن يتبعه اختلاف في المزاج، والطباع، والقيم. وحياة من هذا النمط ستفتقد لا محالة لعوامل المودة، والحب، والاحترام، والاعتراف للإنسان بإنسانيته. قضايا شائكة تقود لها مثل هذه الممارسات، وقد لا نتخيل أن القضاء يقف عاجزاً عن حسمها بصورة سريعة مُجدية. والحل هو دفن الحياة الكريمة لأحياء هم على قيد الحياة.
|
* حياة من هذا اللون يلتقطها (جميل الزهاوي)، ليعبر عنها بقوله:
|
كم قد تزوّج ذو السبعين يافعةً |
والشيب في رأسه كالنار يشتعلُ |
يقضي لبانته منها إلى أجل |
وقد يكون قصيراً ذلك الأجلُ |
ولا يبالي بحبل الود بعدئذٍ |
أكان متصلاً أم ليس يتصلُ |
* هذه الوقفة ليست لنقد هذه الظواهر، أو التنبيه لهذه المشكلات فحسب، بل هي دعوة للالتفات إلى بعض السير والتراجم التي يقدمها أصحابها إلى القراء بكل إخلاص وتجرد، وصدق وحيادية. أ. هـ
|
|