يخطئ من يتصور أن ما حدث ويحدث في فلسطين هو شأن داخلي، وذلك لأن الفلسطينيين المجاهدين لا يبحثون عن دنيا بل عن آخرة، حيث إنهم جربوا مع اليهود كل الوسائل والخيارات السلمية وغير السلمية طيلة نصف قرن وأكثر دون أن يتقدم الوضع قيد أنملة، فليس أمامهم إلا الجهاد حسب قدراتهم.
والذي يلومهم إنما هو أحد اثنين: إما متفلسف من برج عاجي، يستنكر عدم التهامهم أنواع البسكويت الفاخر بدلاً من الخبز الذي منع عنهم، ولم يلتحفوا بأغطية الأمان الوثيرة التي اغتصبت منهم، وإما مستسلم نسي معنى الكرامة التي يستشعرها ذلك الشخص الذي هجم لص قوي على بيته فجأة وقتل بعض أبنائه، واعتقل البعض الآخر، وشرد الباقين، ثم بعد مفاوضات كثيرة ووساطات عديدة وافق المعتدي الظالم وتعطف وتلطف وتنازل مكرهاً بأن يبني المظلوم لنفسه عشة حقيرة في سطح المنزل أو حوشه، ومنع اللص المجاهر عنه الماء والكهرباء، بل قطع عنه الزاد والدواء والهواء، وحرم عليه التواصل مع الآخرين وأوصد دونه جميع الأبواب.
فماذا يفعل المقهور إزاء كل ذلك الذل والإحباط إلا حجراً يرميه هنا وهناك، سواء كان هذا الحجر من تراب أو من حديد، فهو سجين غرفته الحقيرة وليس لديه إلا جسده الأعزل الذي مل هذا الذل فجعله وسيلة شهادة يتقرب بها إلى ربه الذي ليس له إلا هو سبحانه، بعد أن تخلى عنه الصديق قبل العدو!
وواهم من يعتقد أن جهاد الشعب الفلسطيني إنما هو فقط دفاع عن أرض تخصهم، بل إنهم ينافحون عن المسجد الأقصى الذي تناساه المسلمون حتى نسوه، وكأنه مجرد مسجد عادي اختلفت عليه فئتان من المسلمين في أرض تعنيهم دون سواهم، وليس الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي هو مسؤولية جميع المسلمين حكاماً وشعوباً أمام القاضي الأعظم!
لقد قال رسول الهداية صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، أرجو أن تضعوا خطاً عريضاً تحت جملة: (فليس منهم)، ولا يسارع أحد من المرجفين بقوله: إن هذه عبارة (تكفيرية)، فهذه ليست من تأليفي بل هي جزء من حديث الذي لا ينطق عن الهوى، الذي أخبر أن الله طرد من دينه ورحمته كل من تسربل برداء الأنانية والتخاذل.
إن المجاهدين الفلسطينيين لا يدافعون عن بلادهم فحسب، إنما هم يدافعون عن كل الأرض العربية ضد أطماع الصهاينة الذين يسيل لعابهم على مقدساتكم وثرواتكم بل على دمائكم أيها النائمون في سبات طال أمده، هل أقول أيها المسلمون؟ مع أن الإسلام يقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ}، أم أقول أيها العرب، كلا فالعربي صاحب حميّة ونخوة حتى في جاهليته.
وقد أكدت كل الأحداث بأن أبطال فلسطين طلاب شهادة وليسوا طلاب مناصب في حياة فانية زائلة مهما اختبأ عشاقها في جحور الجبن والهوان، لقد رأينا شهداء الجهاد في مشهد أسطوري وهم يرفعون أصابع الشهادة وهي توحد الله الواحد الأحد ضد أصحاب الشركيات والتثليث وقتلة الأنبياء ومغتالي الطفولة البريئة، حيث ذكرونا ببطولات التاريخ الإسلامي المجيدة التي انتشلتنا من الذل والهوان والتشرذم والتقزم.
لقد قال مؤسس هذه البلاد عبد العزيز بن عبد الرحمن كلمة حكيمة سبقت زمانها وقد حان أوانها وهي: (إن الفلسطينيين هم الأقدر على الدفاع عن بلادهم فسلحوهم وأعطوهم الفرصة ولا تعيقوهم)، وكان هذا الرأي العميق قبل أن يحتل الغاصب المسجد الأقصى المبارك، فما هو الدعم الذي سنقدمه لهم الآن كي نبرئ ذمتنا أمام من شرع الجهاد لرفع راية التوحيد والذب عن الأخوة والكرامة قبل أن تصلا للطور الأخير في مرحلة التلاشي؟
g.al.alshaikh12@gmail.com