Al Jazirah NewsPaper Friday  02/01/2009 G Issue 13245
الجمعة 05 محرم 1430   العدد  13245
نوازع
عبر التاريخ
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

 

ما يحدث في غزة من تدمير وسفك للدماء وما حدث في غيرها سابقاً، لا يعدو كونه نقطة توقف تاريخية في مسيرة عربية طويلة كانت لها نقاط توقف عبر تاريخها الحديث، ويمكن لأي منا أن يلوم من يشاء ويبرئ من يشاء طبقا لرؤيته السياسية أو تأثره بنهج سياسي أو إيديولوجية يؤمن بها، غير أن النتيجة واحدة متمثلة في تقلص كفاءة وعدد التأثيرات على مجريات الأحداث.

والحدث عندما يحدث كما هو الحال في مأساة غزة يلتفت الشارع لمطالبة الدول بفعل شيء ما، كما يرعد بعض المحللين ويزبدون رامين باللائمة على قادة الدول مطالبيهم بفعل شيء ما، كما يتحدث الناس عن الحدث في مجالسهم للمطالبة بفعل (شيء ما) والسر يكمن في كلمة (شيء ما) فكم من (شيء ما) يمكن فعله، وما هو مدى تأثيره؟ وهل ذلك الشيء المجهول بمسمى (شيء ما) سيكون أثره أكثر نفعاً من ضرره؟ هذه التساؤلات سيجيب عنها الكثير منا، كل على قدر اجتهاده، غير أن الشيء الذي ربما يغفله البعض أو قد لا يدركه أن الخيارات الناجعة محدودة، والرؤى الصائبة معدودة، وستبقى جملة (شيء ما) سارية المفعول دون مفعول حتى نغير ما بأنفسنا.

لا يمكن أن نكون قادرين على أن نفعل شيئا في الحاضر والمستقبل كما هو شأن السابق، لأننا غير قادرين على أن نؤثر في الأحداث بصورة إيجابية، وسيظل الصياح وسيلة للتعبير، والنواح بديلا عن التفكير طالما أن الكسل بديل عن العمل، الاسترخاء مقدم على العناء.

أحداث غزة مؤلمة لكل ذي ضمير، وموجعة لمن يحمل من الإنسانية قطمير، لكن هيهات هيهات والعالم لا يهمه تلمس الحق والبحث عن الوسائل للوصول إليه، بل تحقيق أكبر قدر من المصالح، والرضوخ للقوى الضاغطة القادرة على تحويل مسار الحق إلى مسار منافس له.

لم نتعلم من التاريخ أن الميدان متاح لكل مجتهد حتى وإن كان في الطريق بعض الحواجز وأن الله أعطى الناس قدرات متقاربة وفرصا للعمل متساوية جماعات وأفرادا، غير أن الظفر في الغالب لمن غالب هواه وتجاوز شهواته وسعى لنيل مبتغاه من خلال العمل الدؤوب والقناعة بأن عمل الجماعة أجدى نفعا وأبرك عاقبة.

المجتمع العربي بأسره لم يتعلم من التاريخ أن العمل والتنظيم ومواكبة العالم في سعيه الحثيث هو السبيل الأوحد بعد عون الله إلى تفكيك جملة (شيء ما) وأن ما دون ذلك لن يتجاوز إضافة التوقف عند نقطة أخرى من نقاط التاريخ الذي لم نعتبر منه.

هناك تقدم حدث هنا وهناك في بعض الدول العربية وتطور متفاوت في الإنتاج وأسلوب العمل، غير أن سرعة التطور لدى الدول الأخرى أكثر بكثير من التطوير الذي يحدث في عالمنا العربي، وشواهد العالم الصين وكوريا وماليزيا وسنغافورة وغيرها من بلاد الله الواسعة كثير، فقد شاهدنا هذه الدول تنطلق في غضون سنوات محددة إلى مراكز عالمية في مجال الصناعة فأخذ تأثيرها على مجريات الأحداث ذات العلاقة بها تنتقل من جملة (شيء ما) ذات المعنى المحدد إلى جملة (شيء ما) ذات المعنى الواسع والمؤثر.

إن التأخر في توظيف القدرات العربية في الإنتاج يعني تسجيل مزيد من ضعف المواجهة أمام النقاط في مسلسل عبر التاريخ العربي المؤلم، وربما نجد أننا بعد انتهاء أحداث غزة غير قادرين على أن نزحزح جملة (شيء ما) عن معناها الذي ألفناه عبر تاريخنا الحديث. وحسبنا أن نعتبر لنكون قادرين.

غزة تحترق، وشعبها يموت، والجيش الإسرائيلي يضرب كيفما شاء، والبون في القدرات العسكرية شاسع، والفرق في الإمكانات واضح، وجملة (شيء ما) محدودة، فما يعني كل ذلك؟

إسرائيل تبحث عن أرض دون أهلها، ووقف للقتال بشروطها، ومع هذا فهي تدعي أنها تدافع عن نفسها من جور الاضطهاد الذي أصابها حقا، إن ذلك لأمر عجيب!! محتل جاء إلى أرض غيره واستوطن بها وأخرج أهلها ومع هذا يدعي أنه مظلوم من عدو أرسل إلى أحد أزقته قطعة من الفولاذ، ربما تكون قادرة على قتل أرنب صادفته في طريقها. ولكن لماذا يرسل مثل هذا؟ هذا أمر يدركه من أرسله، ولست به خبير.

قادة العالم وسياسيوه يعرفون الحقيقة، غير أن الشعوب لا تعلم إلا ما ينقله لهم الإعلام، ويصغيه لهم من كلام وبه ومن خلاله يكون الحكم، فيحزن الناس للظالم بدل المظلوم ويستمال العالم إلى الباطل بدل الحق.

فيذهب الحق هباء لأن جملة (شيء ما) ما زالت عند أصحاب الحق غير مؤثرة لأنهم آثروا أن يكونوا كذلك بتجنبهم العمل الجاد المثمر، وانقيادهم إلى شهواتهم، واستمرائهم المكوث حيث كانوا تاركين الآخرين يسيرون بسرعة أكبر بكثير من سرعتهم، هذا إذا كان لديهم سرعة، ولهذا فإن غزة تتدمر وتحترق والخيارات محدودة والمؤثرات غير موجودة، وإلى أن نعتبر من التاريخ ستبقى هكذا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد