قدرنا - نحن العرب - أن يكون في قلب وطننا كيان غريب عنا... غريب في سلوكه وأخلاقه وأهدافه ونواياه.
وقدر دول المركز أن يزرع هذا الكيان الشاذ محاذيا لها، فتشاركه الحدود بعد أن زرع في قلب الوطن مشاركا المركز تأثيراته، والتي لابد أن تكون سلبية، لأن من أهم أسباب زرع هذا الكيان في قلب الوطن العربي، بل وظيفته الأساسية هي إرباك العرب جميعاً وخلق المواقف السلبية، وارتكاب كل ما من شأنه تدمير تقدم العرب وبناء الدولة العربية الواحدة وتحقيق مستوى مقبول من التنمية، ولهذا حفل تاريخ هذا الجيب التخريبي -رغم قصره- في تاريخ الدول، بالحروب مع الدول العربية التي ابتليت بإقامته محاذيا لحدودها، وكان الهدف من تلك الحروب التوسع على حساب الأرض العربية وإشغال وتدمير مسيرة التوحد والتنمية في الوطن العربي.
إذن؛ فوجود هذا الكيان الشرير في قلب الوطن العربي مشاركا دول المركز الحدود والأرض لدى البعض الآخر، هو قدر وابتلاء علينا أن نحسن التعامل مع هذا الابتلاء وإلا تحققت أهداف من زرعوا هذا الكيان الشاذ في قلب وطننا العربي، وحسن التعامل مع هذا الابتلاء خاصة في هذه المرحلة التي اختلطت فيها الأوراق وتناثرت الأدوار من خلال سعي أطراف إقليمية أخرى للعب أدوار على حساب المصلحة العربية العليا.
وهذا الأمر يحتاج إيضاح ووضوح، فبعد تشتت الدول العربية وانتهاج البعض منها نهج وأسلوب المحاور يكاد العرب يكونون الآن أربع مجموعات: مجموعة الدول المعتدلة والتي تضم: المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وأربعة من دول الخليج، ومجموعة من ثلاث دول لا يجمعها هدف سوى معاكسة دول المجموعة الأولى، وتبرز في هذه المجموعة الثانية سوريا وليبيا وإلى حد ما قطر، مجموعة ثالثة ابتعدت عن مماحكات دول المجموعة الثانية ولا تلزم نفسها بما تتخذه دول المجموعة الأولى، وهذا القسم العربي أو المجموعة الثالثة هي دول شمال إفريقيا استثناء ليبيا، أما المجموعة الرابعة فهي ما يضم باقي الدول منها: جزر القمر والصومال وموريتانيا والسودان واليمن، والدولتان الأخيرتان تتأرجح مواقفهما مرة مع مواقف دول المجموعة الأولى ومرة أخرى مع دول المجموعة الثانية، أما الثلاث دول الأول فليس لها موقف يحسب.
تشتت المواقف العربية وتباينها وخاصة بين دول المجموعتين الأولى والثانية سمح بدخول لاعبين إقليميين للمنطقة العربية، فإيران نسجت علاقات ارتقت مع سوريا إلى مستوى التحالف والتنسيق مع قطر في بعض القضايا، وعززت وجودها على مسرح الأحداث العربية من خلال امتداداتها التنظيمية وإقامة أحزاب ومليشيات عسكرية ارتقى البعض منها إلى مستوى الجيوش كجيش حزب الله في جنوب لبنان وجيش الحوثيين في شمال اليمن ومنظمة بدر وجيش المهدي في العراق، ولهذا أصبح لإيران تأثير بل وحتى مشاركة في صنع القرار العربي.. ولأن إيران وحلفاءها لديهم رؤية لا تخرج عن توظيف الأحداث العربية في الصراع الإيراني - الأمريكي، فالإيرانيون يلعبون بورقة فلسطين ويصعدون من خطابهم العدائي ضد إسرائيل وطرح مواقف غير منطقية من أجل كسب الشارع العربي وتوظيف التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية لصالح نظام طهران، وقد حصد العرب جراء هذا التوظيف حربين مع إسرائيل إحداهما صيف عام 2006م وكانت حصيلته أكثر من ألف شهيد من أبناء لبنان، يدفع العرب ضريبة التوظيف الإيراني للقضية الفلسطينية التي أوصل الوضع إلى ما يحدث في غزة من مجزرة يدفع تبعاتها الفلسطينيون في غزة الذين قدموا حتى الآن أكثر من أربعمائة شهيد ومع استمرار العدوان الإسرائيلي فإن الحصيلة مرشحة للارتفاع.
اللاعب الآخر الذي أصبح له دور على المسرح العربي، تركيا التي برعت في القيام بترتيب الوساطات وجمع الفرقاء على طاولات التفاوض، فبعد نجاح تركيا في مد الجسور بين تل أبيب ودمشق، تنشط تركيا الآن للتوسط بين دمشق والقاهرة.. وبين غزة ورام الله.
نمو وتصاعد أدوار طهران وأنقرة لابد وأن يتم على حساب دور وفاعلية دور المركز العربي ليضيف على الموقف العربي - بصفة عامة- ضعفا على ضعف، ويجعل السفينة العربية أكثر ترنحاً وهي تواجه أمواج هوجاء.. وما مجزرة غزة إلا واحدة منها.
jaser@al-jazirah.com.sa