«الجزيرة »- القسم السياسي - خالد الدوسري
لا تقتصر قمة دول مجلس التعاون التي ستعقد في مسقط في الـ 29 من ديسمبر الحالي عن أهمية القمم السابقة فلا شك أن القمم السابقة حققت بعضاً من طموحات أبناء دول الخليج ولكنها واجهت مشاكل وتحديات تخص دول المنطقة منها الاقتصادية والسياسية.
ولكن وبالرغم من ما حققته القمم السابقة من تقدم منذ انطلاق أول قمة في أبوظبي عام 1981 غير أن قمة مسقط الـ 29 برئاسة السلطان قابوس وقادة دول المجلس ستواجه تحديات كبيرة سياسية في أولها واقتصادية في أهميتها.
ستنعقد القمة الخليجية الـ 29 في مسقط خلال الأيام 29 و30 من الشهر الجاري أي قبل نهاية السنة 2008 بيومين لتحمل معها للعام الجديد 2009 جميع ما لم ينجز أو ما واجه دول المجلس أو ما ظل يتربص به في العام 2008 وعلى سبيل المثال هناك تطورات مهمة حدثت في العام 2008 كالأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة القرصنة في خليج عدن وصولاً إلى انتخاب إدارة أمريكية جديدة ألمحت بنوع ما إلى الإمكان من تغيير الإدارة السابقة في عهد الرئيس جورج بوش الجمهوري ومما تحقق من القمم السابقة يبدو أن قمة مسقط الـ 29 أمامها هذه الملفات الساخنة جداً والمعقدة نوعاً ما ولتخرج هذه القمة بمواقف سياسية صلبة تقف أمام ما يهدد أو يرمي ويرمز لتوتير علاقات دول المجلس ببعضها يجب عليها (القمة) الوقوف بوقفة صادقة واتحاد قوي يظهر ويبين متانة الارتباط بين هذه الدول أمام نظيراتها من الدول الأجنبية والصديقة.. وهذا هو المأمول والذي يطمح له المواطن الخليجي والدول الإسلامية التي بالفعل يهمها استقرار دول المجلس وترى أن علاقاتها بها نموذجاً يحتذى قمة مسقط أمل كبير في الوقت الحاضر بعيداً عن تحالفات وصداقات جانبية، ولو كانت مثالية أو مثالاً يحتذى.. فلا شك أن مصلحة الخليج العربي هي الأهم والمصب الرئيسي لكل علاقات داخلية أو خارجية لصالح دول المجلس في أمنه واستقراره وذلك عملاً بالنظام الأساسي لقيام مجلس التعاون والذي أكد آنذاك خلال قمة أول قمة في أبوظبي على أن إنشاء هذا الكيان القوي جاء على أساس إدراك الدول الخليج الست لما يربط بينها من العلاقات الخاصة والسمات المشتركة والأنظمة المتشابهة وأساسها العقيدة الإسلامية وإيمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين واقتناعا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيها بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية واستكمالا لما بدأته من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولا إلى وحدة دولها.
لقد تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من كبح جماح الإرهاب الذي ضل ولا زال يتربص بأمن وثروات الخليج وذلك في جميع المجالات سياسية كانت أو اقتصادية بل واجتماعية وثقافية أيضاً ونحن هنا اليوم في عصر العولمة وأمام تطورات وانجازات عالمية لابد أن تتعامل معها كل دولة بحسب نظامها ودستورها وبالنظر لما تمثله دول مجلس التعاون من ثقل سياسي واقتصادي كبير ينظر له العالم نظرة ذات أهمية وفاعلية كبيرة ففي المجال السياسي تبقى دول الخليج فعالة في موقفها القوي وباستراتيجياتها الخاصة أو لآراء حول العمل الخليجي المشترك الذي تضمنته رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإخوانه قادة المجلس في النواحي الاقتصادية والعسكرية والأمنية والبيئية التي قدمها للقادة في القمة التشاورية في جدة عام 2002م واكتملت خطوات تنفيذها واعتمدت من القمم التي تلتها.
وبالنظر لما تقدم كيف ستتعامل الدول الخليجية مع أزمات العالم بشكل عام والخليجية بشكل خاص في العام الجديد 2009 وانطلاقاً من قمة مسقط 29 هناك أزمة اقتصادية تعصف بالعالم هناك قرصنة وعدم استقرار في الصومال تهدد الصومال نفسه وتهدد أمن إحدى شقيقات دول الخليج وهي الجمهورية اليمنية التي ترتبط بدول المجلس من خلال النشاطات الرياضية والاقتصادية والاجتماعية كما تهدد التجارة الدولية والخليجية والإسلامية ويتبادر إلى الذهن الآن كيف ستتعامل قمة مسقط مع هذه الأزمة ؟ فبلا شك أزمة القرصنة في الصومال وعلى خليج عدن لم ترى تحركاً عربياً إنما إعلاميا بالرغم مما تمثله هذا المشكلة من خسائر وتهديدات خطيرة للتجارة العربية والخليجية وما بخطف سفينة ناقلة النفط السعودية و(سيرياس ستار) والسفينة الأوكرانية التي تحمل دبابات على متنها إلا شاهداً على أهمية إنهاء مشكلة القرصنة، ولا تقل مشكلة القرصنة أهمية عن الوضع السياسي الداخلي للصومال فلم تولد القرصنة إلى من فشل جميع حكومات هذا البلد وعدم الاستقرار فيها حتى مع وجود قيادات إسلامية معتدلة تبقى الصومال مشكلة تلاحق العرب تتطلب حلاً نموذجياً وفريداً من نوعه بعيداً عن تدخلات أجنبية.
فهناك اليمن بالقرب من الصومال وأمنها يعتبر من أمن دول الخليج وعمليات معالجية القرصنة والأوضاع في الصومال تتطلب قبل ذلك إلى المحافظة على استقرار اليمن.
وهناك في محيط دول الخليج هذا الكيان الاتحادي الذي يعد مثالاً يحتذى خطر يتربص به وعدم استقرار من خلال الوضع في العراق فبالرغم من توقيع الاتفاقية الأمريكية العراقية الأمنية في بغداد التي تضمن انسحاباً أمريكياً من العراق في صيف العام 2010م.
إلا أن هناك سيضل تواجداً أمريكياً في العراق لحفظ الأمن والتدريب ومثلها القوات البريطانية أيضاً والتي أقر البرلمان العراقي مؤخراً الموافقة على بقائها في العراق.
وأمام هذا التطور يتحتم على دول المجلس تأكيداً دائماً لوحدة أراضي العراق وعدم المساس بأمنه ووحدة أراضيه كون ذلك يمس من أمن دول المجلس على جميع الصعد فالانفلات الأمني في العراق ليس من المصلحة فهناك طوائف عدة يزخر بها الخليج والحفاظ عليها وعلى مقدراتها وثقافتها ينظر إليها على الصعد الخارجية بأنها محرك لبعض النعرات التي من شأنها تخريب وحدة واستقرار دول المجلس وما باجتماعات دول الجوار للعراق الدورية إلا تأكيداً على أهمية الحفاظ على استقرار المنطقة من هذا المجال، وهذا الحضور العربي والخليجي لا يقل أهمية عن ما يقدم للقضية الفلسطينية.. قضية العربية الأولى ولكن أمام تفكك فلسطيني وتهديدات إسرائيلية بضرب حركة المقاومة الإسلامية حماس رداً على إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل والذي سيتحول لاجتياح إسرائيلي كبير لقطاع غزة إلا تطوراً خطيراً يأتي مع متزامناً مع كل قمة عربية أو خليجي وبالعودة إلى جميع القمم الخليجية السابقة يتزامن تاريخ الانعقاد مع عدوان إسرائيلي يروح ضحيته الكثير من الشعب الفلسطيني وعليه تتزامن القمة الخليجية الـ 29 في مسقط مع تهديدات كبيرة لضرب غزة الأمر الذي يتطلب وقفة عربية قوية كون اجتياح غزة في الوقت الراهن وتزامناً مع أزمة عالمية عاصفة سيولد مخاطر كبيرة على المنطقة وأن كان الأمر يتعلق بتقديم حزب الليكود ذبح وتدمير الفلسطيني كقرابين كبيرة لنيل ثقة اليهود لنيل ثقتهم والفوز بالرئاسة خلال الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في 10 شباط المقبل يتزعمهم وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلا أن ذلك يحتم ويؤكد ضرورة تسجيل حضور عربي خليجي دائم خلال العام الجديد في الأراضي الفلسطينية قد يضمن قيام دولة فلسطين تحقيق ما لم يتحقق في عام 2008 خصوصاً مع انطلاق عمل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الديموقراطي باراك أوباما التي أوكلها بوش بملفات ساخنة تعاني منها منطقة الشرق الأوسط والتي يعول العرب والمسلمين على هذه الإدارة الجديدة بقدر من الإمكان التواجد فيها بجدية.
وبالنسبة لإيران التي تحاول إظهار حسن النوايا لجيرانها دول الخليج مع قرب انعقاد قمة مسقط الـ 29 أمام ما يهددها من عقوبات غربية إضافية بسبب برنامجها المشكوك فيه والتي تؤكد على أنه للأغراض السلمية.
هذا يتوقف على الموقف الخليجي فالعلاقات الإيرانية الخليجية تشكل أهمية كبيرة لدول المجلس من جانب ديني ومن جانب سياسي واقتصادي.
الاتحاد القوي والتفاهم الخليجي عامل مهم أمام العلاقات الإيرانية الخليجية والذي يتطلب من الجانب الإيراني الظهور بشفافية من خلال برنامجه المشكوك فيه ومن خلال علاقاته الخارجية أمام اتهامات الغرب لهذا النظام الإيراني بدعم الإرهاب ومحاولة زعزعة استقرار المنطقة في العراق ولبنان وجنوب لبنان إذاً حسن النوايا من جانب إيران مطلوب لاستقرار دول الخليج إذا كانت ترى في هذه العلاقات مثالاً يحتذى.. آمال كبيرة تنعقد على قمة مسقط الـ 29 خصوصاً أنها ستنعقد بتمثيل كبير وفي ظل تطورات عالمية ينتظر المراقب الخليجي ماذا ستحمله له في العام الجديد 2009م.