يعلق منظرو الاقتصاد الحر آمالاً كبيرة على مؤسسات القطاع الخاص للاضطلاع بالعديد من النشاطات المهمة خصوصاً في توظيف عناصر الإنتاج واختيار التقنيات والوسائل المتاحة ومن ثم القيام بتوزيع السلع والخدمات لتلبية الطلب من خلال آليات السوق التي تحدد الأسعار السائدة. تنبع أهمية منشآت القطاع الخاص لكونها عالية الكفاءة في تقديم السلع والخدمات بأقل التكاليف في ضوء المنافسة الحرة بين عدد كبير من المنتجين الذين يسعون إلى الاستحواذ على حصص كبيرة في السوق من خلال كسب رضا جمهور المستهلكين، ويتضح الدور الأساسي لقطاع الأعمال إذا تمت المقارنة مع الأنظمة التي تسمح بدخول الأجهزة الحكومية معترك الإنتاج حيث تكون السلع متدنية الجودة وتعاني الأسواق في العادة من نقص حاد في السلع والخدمات الأساسية. لكن دور رجال الأعمال يتعدى ذلك الدور المهم في الاقتصاد إلى المساهمة في الاستقرار السياسي من خلال بروز الطبقة الوسطى التي لها دور كبير في الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تقوم بتوظيف كم هائل من القوى العاملة الوطنية. في ظل هذه الأدوار المرتقبة لقطاع الأعمال من الناحية النظرية يحق لنا أن نتساءل عن واقع القطاع الخاص في الاقتصاد السعودي؟ وهل حقاً له دور ملموس في التنمية الاقتصادية؟ وكيف يمكن تعزيز دور منشآت قطاع الأعمال بإزالة التشوهات والعوائق التي قد تناقض مبادئ حرية الأسواق؟
لعل أهم المشكلات التي تتعلق بدور قطاع الأعمال تنطلق من المصطلحات البسيطة حيث عادة ما نستخدم عبارة رجل - سيدة أعمال (Business(wo)man) في وصف المستثمرين في القطاع الخاص بصرف النظر عن طبيعة وحجم النشاط ومدى المساهمة في الاقتصاد الوطني. إلا أن الفئة التي تلعب دور مهم في النشاطات الاقتصادية هي فئة المنظمين (Entrepreneurs) الذين يوظفون عناصر الإنتاج ويطورون التقنيات لتقديم منتجات جديدة قادرة على المنافسة وتساهم في تلبية احتياجات المستهلكين، ولدى هذه الطبقة نظرة مستقبلية وتفكير إبداعي خلاق لاقتناص الفرص الاستثمارية الجديدة ومقدرة على ريادة وتوجيه قطاع الأعمال. من هذا التعريف نستطيع أن نؤكد أن كل منظم رجل أعمال لكن العكس غير صحيح، لكن العديد من رجال الأعمال عادة ما يلبسون عباءة المنظم حينما يريدون إقناع الجهات المعنية بالحصول على الدعم والحماية اللازمة على الرغم من تواضع دور نشاطاتهم، بل وفي أحيان كثيرة الضرر على الاقتصاد الوطني. لذا ليس من المستغرب أن تجد الغالبية العظمى من كبار (رجال الأعمال) يستثمرون في خدمة وتوزيع المنتجات الأجنبية والذين يتمتعون بحق التوزيع الحصري، وعلى الرغم من الدعم والحماية والرعاية الممنوحة لرجال الأعمال في صور عقود المقاولات الضخمة التي يحصلون عليها لم ولن ينجحوا في تطوير منتجات وطنية قادرة على إحلال السلع الأجنبية.
في الوقت الذي حققت العديد من الدول النامية نجاحات كبيرة في الاستحواذ على صناعات عالمية خصوصاً في هذا الوقت بالذات حيث هناك تباطؤ ملحوظ في الاقتصاد العالمي أدى إلى بيع العديد من المصانع ذات السمعة العالمية لمستثمرين أجانب نجحوا في نقل تلك المنتجات لبلدانهم الأصلية. حتى هذه اللحظة لم أسمع عن أية استحواذ لرجال أعمال سعوديين على مصانع عالمية وتوطينها في مناطقنا الصناعية حتى تساعد في خلق صناعات أخرى و تساهم في التنمية الاقتصادية، فلقد حققت الصين نجاحات كبيرة في هذا الصدد من خلال نقل مصانع كاملة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية الكبرى لتبدأ خطوط الإنتاج من هناك بهامش ربحي هائل. ليست المشكلة تكمن في نقص رؤوس الأموال التي تُعد أمر تقليدياً في شريحة واسعة من الدول النامية، فقطاع الأعمال السعودي لديه سيولة عالية قادرة على توفير الموارد المالية التي من الممكن أن تفي بكلفة شراء مصانع عالمية تواجه مشاكل مالية خانقة بسبب أزمة السيولة المالية العالمية الحالية. أين تكمن المشكلة إذن؟ لعل غياب مفهوم رجل الأعمال بمعناه العالمي مفقود لدينا فغالبية كبار رجال الأعمال السعوديين يوجهون النسبة العظمى من استثماراتهم إلى قطاع العقار ونشاطات البيع والتوزيع ذات الربح السريع وقليلة المخاطر ويستفيدون من استطاعتهم التحكم والتأثير في صياغة الأنظمة المحلية من خلال شركائهم المتنفذين في الأجهزة الحكومية الذين يقدمون لهم الحماية من المنافسين الآخرين والرعاية بالحصول حصرياً على العقود الحكومية السمينة. أما السبب الآخر فيكمن في غياب روح التعاون وانتشار الفردية وعدم الرغبة في الدخول في تحالفات تجارية (Commercial Consortiums) وتشكيل رؤوس أموال استثمارية (Capital Ventures) تحتمل الدخول في صفقات استحواذ كبيرة ذات مخاطر كبيرة لكنها ذات أرباح عالية في المستقبل، ويفترض أن يكون للأجهزة الحكومية والغرف التجارية واللجان والاتحادات الصناعية دور كبير في بناء تلك التحالفات التي سوف تنجح في نقل صناعات عالمية لاقتصادنا الوطني.
لقد أضعنا فرصاً كثيرة في السابق كانت ستسارع في نقل التقنية وتوطين الصناعات ذات الشهرة العالمية ومن ثم تحقيق هدف التنمية المستدامة وذلك بسبب تقاعس قطاع الأعمال في اقتناص الفرص العالمية التي أتيحت أثناء مرور الاقتصاد العالمي بموجة تحولات جذرية مماثلة لما يحدث الآن. إن التنمية والتطور الصناعي لن يتحقق إلا إذا كان هناك قطاع أعمال متطور يضطلع بالمهام الأساسية التي سوف تؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق العالمية دون استجداء الدعم الحكومي والحماية الجمركية، لكن ذلك يتطلب وجود مؤسسات تحتضن رجال الأعمال وتساعدهم في بناء التحالفات العالمية وتقدم لهم المشورة وتمدهم بالكفاءات الوطنية المؤهلة القادرة على دخول معترك المنافسة والبحث عن الفرص الاستثمارية في حقل الصناعات المتطورة، وفي الوقت نفسه تقديم دعم ورعاية وسموحات ضريبية للمشاريع الصناعية الوطنية التي تساهم في نقل التقنية والمعرفة الصناعية.
أستاذ الاقتصاد المساعد معهد الدراسات الدبلوماسية
mqahtani@ids.gov.sa