Al Jazirah NewsPaper Monday  29/12/2008 G Issue 13241
الاثنين 01 محرم 1430   العدد  13241
إسرائيل تستمد قوتها من شركاء المذبحة
محمد بن عيسى الكنعان

إسرائيل ليست دولة عظمى كما هو معروف، بل ليست قوة إقليمية كما يتوهم البعض، فهي كيان غاصب يقيم على أرض محتلة لم يستطع تذويب أهلها الشرعيين في نسيجه البغيض، أو يتجاوز بعدد سكانه من شذاذ الآفاق عدد سكان الأرض الأصليين (الفلسطينيين)، وهذا هو مأزقه التاريخي الذي يحاول الخروج منه ب(التسوية السلمية)، المعززة بالتفوق النوعي والآلة العسكرية والتقدم الصناعي على كل دول الوسط الذي يعيش فيه، لذا فهذا الكيان (الخبيث) يستمد قوته - التي يستعرضها بالمذابح الفلسطينية والاغتيالات السياسية والعمليات العسكرية - من ثلاثة مصادر رئيسة على مستوى العالم، أولها (الاتحاد الأوروبي) الذي يضم في عضويته دولاً زرعت إسرائيل في خاصرة الأمة وسقتها بالمعونات والتهجير والأسلحة على مدار قرن من الزمان، وقد رأينا قبل أيام كيف أن هذا الاتحاد راح يسترجع تاريخه المخزي برفع سقف التعاون مع إسرائيل بتعزيز الحوار معها للوصول بها إلى مستوى الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، والمصدر الثاني (الولايات المتحدة الأميركية) التي يمر رئيسها المنتخب من تحت قبة الكنيست الإسرائيلي حتى تراتيل حائط البراق (المبكى) ولاءً وتعهداً، كما جعلت أمن واقتصاد إسرائيل في صلب سياستها الخارجية وفي قلب مصالحها القومية، سواءً على مستوى مجلس الأمن الذي تتلاعب بقراراته لصالح إسرائيل باستخدام حق النقض (الفيتو)، أو من خلال الهيئات واللجان الدولية المرتبطة بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، كاللجنة الرباعية الدولية لعملية السلام، التي تحول مبعوثها الحالي توني بلير من (وسيط) تُفترض فيه النزاهة والعدالة والمساواة إلى محامي الشيطان في دفاعه المستميت عن وجهة النظر الإسرائيلية، حتى أنه يتباكى على ضحايا الصواريخ الفلسطينية، مبدياً قلقه من سقوطها على إحدى المدارس الإسرائيلية، بينما يصمت عن جرائم آلة الحرب الصهيونية وهي تفرم الأطفال الفلسطينيين، كما صمت عن الحصار الجائر على سكان قطاع غزة، لأن ذلك في إطار الدفاع عن النفس.

أما المصدر الثالث الذي يُغذي قوة إسرائيل ويصنع من جيشها الهشّ (أسطورة الجيش الذي لا يقهر)، هو (الضعف العربي) إزاء أية مذبحة يرتكبها اليهود الصهاينة، أو أية حرب يشنها قادة الإرهاب الإسرائيلي، فلم تسلم دولة من دول الشام الكبير من شرها، وهذا الضعف مرده حضاري خالص، فالأمة العربية منذ قرون وهي تعيش مأزقاً حضارياً ينسحب على كل مجالاتها التنموية وبالذات المجالات الرئيسة (السياسية والعلمية والصناعية والإعلامية)، ويكفي أن نتصفح بعض تقارير التنمية الإنسانية العربية - على الرغم من بعض التحفظ - ليتضح حجم المأساة الحضارية التي نعيشها نحن العرب.

بعد كل ذلك يكون من الطبيعي في حياة هذه الدولة الإرهابية أن تمارس عربدتها في العالم العربي، وأن ترتكب أفظع الجرائم الإنسانية في حق الشعب الفلسطيني، كونها تسابق الزمن لانتزاع (شرعية الاحتلال) وإنهاء (حق المقاومة) من أهل فلسطين الصامدين في وجه طغيانها الصهيوني المدعوم من الغرب بحكوماته ومنظماته وإعلامه، كونها تعيش أزمة نفسية تعوضها بالتأكيد على القوة وأنها صاحبة القرار وفرض الأمر الواقع.

وعليه يجوز لكل فلسطيني اعتبار أن (الاتحاد الأوروبي) و(الإدارة الأميركية) و(المنظمة الدولية) شركاء في كل جريمة يرتكبها هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة، وآخرها (مذبحة غزة العزة)، التي رفضت الخضوع للصلف اليهودي وتضييع حقوق الفلسطينيين في السيادة على القدس، وحق العودة، وحرية السجناء وفتح المعابر وغيرها، خاصةً أن هؤلاء الشركاء لا يملكون من ضمير الإنسانية إلا الدعوة ل(ضبط النفس)، وفات عليهم أن القتل يصنع الضغائن وأن الاستسلام لا يأتي بالسلام، وأن الأمة المحمدية لا يشتد عودها إلا من طرق المحن. فالخطوب تجمع القلوب نحو وحدة الشعوب، فرغم كل الدماء والشهداء والذبح اليومي على مرأى ومسمع من العالم إلا أن النصر مع الصبر، فمحمد عليه الصلاة والسلام يتفاءل في الشدائد ويطلب فرج الله، والخير لمن كان على محجته البيضاء وسار على نهج سنته الغراء.

Kanaan999@hotmail.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد